13 فبراير 2025

|

10 أعمال تلين القلب

 

 

من أعجب ما في التناسب بين آيات القرآن الكريم أن يذكر الحق سبحانه وتعالى قسوة القلوب ووجوب إحيائها وتليينها، ثم يذكر في الآية التي تليها إحياء الأرض بعد موتها، وذلك في قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ {16} اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الحديد: 16-17). 

فكما أن الله قادر على إحياء الأرض بعد موتها؛ فهو قادر أن يلين القلوب بعد قساوتها. 

 

فما الأعمال التي تساعد على لين القلب؟

 

1- الدعاء

 

إذا كان المسلم يعتقد أن الله قادر على إحياء الأرض بعد موتها، وتليين القلوب بعد قساوتها؛ فعليه أن يطلب من الله تعالى ذلك، ويكون ذلك بالدعاء. وقد وعد الله بإجابة من دعاه، وذلك في قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي ‌أَسْتَجِبْ ‌لَكُمْ) (غافر: 60). ولهذا كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يستعيذ بالله تعالى من القلب القاسي، ففي صحيح مسلم عَنْ ‌زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ ‌قَلْبٍ ‌لَا ‌يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا».

 

2- التوبة والابتعاد عن المحرمات

 

تؤدي المعاصي إلى قسوة القلب، قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ ‌قَاسِيَةً) (المائدة: 13)، وتؤدي قساوة القلب إلى الحجب عن الله تعالى، حيث قال عز وجل: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ {14} كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) (المطففين: 14-15). فالمعاصي تقسي القلب وتسوده، ففي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «‌تُعْرَضُ ‌الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ». وقال ابن القيم رحمه الله: صدأُ القلب بأمرين: ‌بالغفلة ‌والذنب (1)، وسبيل التخلص من هذه القساوة هو التوبة إلى الله سبحانه وتعالى. 

 

3- ذكر الله 

 

من أعظم الأعمال التي تلين القلب أن يداوم المسلم على ذكر الله، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال: 2). وقال عز وجل: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ ‌تَطْمَئِنُّ ‌الْقُلُوبُ) (الرعد: 28). وروى ابن أبي الدنيا أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لِلْحَسَنِ البصري: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَشْكُو إِلَيْكَ قَسْوَةَ قَلْبِي. فَقَالَ: ادْنُهْ ‌مِنَ ‌الذِّكْرِ. (2).

 

4- معايشة القرآن الكريم

 

إن معايشة القرآن الكريم سماعا وتلاوة وتدبرا وعملا تسهم في تليين القلب وتدفعه إلى الخشوع، حيث قال تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا ‌الْقُرْآنَ ‌عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحشر:21). 

وحين توعد الحق سبحانه وتعالى القاسية قلوبهم؛ فتح لهم الطريق وهيأ لهم العلاج بإنزال القرآن الكريم، ووعد من ذكر الله به بلين القلب، حيث قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {22} اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر: 22-23).

 

5- العطف على المساكين والمسح على رأس اليتيم

 

روى أحمد في مسنده بسند حسنه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ: «امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ، ‌وَأَطْعِمِ ‌الْمِسْكِينَ». وفي رواية أنه قال له: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ».

 

6- عيادة المرضى واتباع الجنائز وزيارة القبور

 

إن الله سبحانه وتعالى قد يبتلي عباده ليتضرعوا إليه، فتلين قلوبهم بعد قسوتها، فإن لم يفعلوا فقد استولى الشيطان على قلوبهم وزين لهم أعمالهم، حيث قال تعالى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا ‌تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 43). 
فإذا أراد المسلم أن يلين قلبه فعليه أن يتلمس مواضع الابتلاء ويعتبر بها، وذلك من خلال عيادة المرضى واتباع الجنائز وزيارة القبور، فقد روى الحاكم بسند صححه الألباني عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « كنتُ نهيتُكم عن زيارَةِ القبورِ ألا فزورُوها، فإِنَّها تُرِقُّ القلْبَ، وتُدْمِعُ العينَ، وتُذَكِّرُ الآخرةَ». 

وأخرج أبو داود في الزهد أن رجلا أتى أُمَّ الدَّرْدَاءِ رضي الله عنها فَقَالَ: إِنَّ بِي دَاءً مِنْ أَعْظَمِ الدَّاءِ، فَهَلْ عِنْدَكِ لَهُ دَوَاءٌ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي أَجِدُ قَسْوَةً فِي الْقَلْبِ، فَقُالْتْ: أَعْظَمُ الدَّاءِ دَاؤُكَ، عُدِ الْمَرْضَى، وَاتَّبِعِ الْجَنَائِزَ، وَاطَّلِعِ فِي الْقُبُور، لَعَلَّ اللَّهَ ‌أَنْ ‌يُلَيِّنَ ‌قَلْبَكَ. قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّهُ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رِقَّةً، فَجَاءَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ يَشْكُرُ لَهَا.

 

7- ذكر الموت والآخرة

 

حين تسيطر الدنيا على القلب تجعله قاسيا، فلا تجده إلا مشغولا بها، لاهثا وراءها، ولهذا كان من أسباب لين القلب أن يتذكر المسلم الموت والدار الآخرة، فالموت يجعل الدنيا هينة وصغيرة، ولهذا يقول الربيع بن أبي راشد: حال ذكرُ الموت بيني وبين كثير مما أريد من التجارة، فلو فارق ذكر الموت قلبي ساعة ‌لخشيت ‌أن ‌يفسد ‌عليّ قلبي. (3).

 

8- أكل الحلال

 

أورد ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة أن عُمَر بْن صَالِحٍ قال: سألت أبا عَبْد اللَّهِ أحمد بن حنبل بم تَلين القلوب؟ فأبصر إليّ، ثم أبصر إليّ، ثم أطرق إليَّ ساعة، فقال: ‌بأكل ‌الحلال. (4). وأورد الغزالي أن أحد السلف قال: إن العبد ‌يأكل ‌أكلةً فيتقلب قلبه، فينغل كما ينغل الأديم، ولا يعود إلى حاله أبداً. (5). وقال المناوي: أما أكل الحرام ‌فيظلم ‌القلب ويغضب الرب. (6).

 

9- سماع المواعظ

 

روى أحمد في مسنده عَنْ الْعِرْبَاض بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، ‌وَوَجِلَتْ ‌مِنْهَا ‌الْقُلُوبُ». ففي هذا تأكيد على أن المواعظ تؤدي إلى لين القلب، خاصة إذا خرجت من القلب ووجدت قلبا صافيا يتلقاها.

 

10- صحبة الصالحين

 

مما يعين على لين القلب أن يحرص المسلم على صحبة الصالحين والنظر في سير العلماء والمخلصين. ومن الأمثلة على ذلك ما قاله جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: كُنْتُ إِذَا وَجَدْتُ ‌مِنْ ‌قَلْبِي ‌قَسوَةً، غَدَوْتُ، فَنَظَرتُ إِلَى وَجْهِ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، كَانَ كَأَنَّهُ ثَكْلَى. (7).

 

 

 

 

(1) الوابل الصيب: لابن القيم، (1/ 92).

 

(2) الرقة والبكاء: لابن أبي الدنيا، ص: 62.

 

(3) صفة الصفوة: لابن الجوزي، (2/ 63).

 

(4) طبقات الحنابلة: لابن أبي يعلى، (1/ 219).

 

(5) إحياء علوم الدين: للغزالي، (2/ 91).

 

(6) فيض القدير: للمناوي، (5/ 258).

 

(7) سير أعلام النبلاء: للذهبي، (6/ 120).


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة