13 فبراير 2025

|
انتصار غزة جولةٌ للإسلام على الماسونية-الصهيونية (1-2)

الأبعاد العميقة وتفنيد أكاذيب المرجِفين

 

 

انتصرت غزة رغم كل شيء، ولانتصارها أبعاد متعددة؛ منها ما هو ظاهر جليّ، ومنها ما هو عميق؛ منها ما هو مادي، وما هو معنوي يحمل مفاهيم ودلالات هائلة موسَّعة، ومع هذا، وغير بعيد، ومنذ بداية المشهد؛ يقف المرجفون في المدينة يلفقّون ويشوّهون ويشتّتون، وهذا ما اعتدناه منهم في قضايا أمتنا الحيوية؛ لا سيما بعد أن دبّ الوهَن في جسدها؛ فما الأبعاد العميقة لانتصار مجاهدينا الأبطال؟ وما ترّهات المرجفين؟ وما الردود عليها؟ هذا هو موضوع مقالنا اليوم، وإلى صلب الموضوع. 

 

أولا: الأبعاد العميقة لانتصارات غزة

انتصار الإسلام على الماسونية/ الصهيونية من خلال مجاهدي غزة 

 

إن النصر المظفّر الذي أحرزه مجاهدو الإسلام في غزة ليس نصرا عينيا عسكريا فقط؛ رغم أنه هكذا فعلا بالمقياس النسبي لمعطيات طرفي الحرب كل على حدة، وليس هذا النصر أيضا نصرا غزاويا فقط، لكنه نصر للإسلام ذاته، وفي المقابل لم يُمنَ الكيان الإجرامي وحده بالهزيمة، لكن مُنيت بها الماسونية والصهيونية التي هي أقوى أذرعها.

 

إذ إنه بعد قرون من الحرب الماسونية على الإسلام وأهله؛ عسكريا، واقتصاديا وسياسيا، وثقافيا، وعلميا، وإعلاميا؛ عمل خلالها الماسون على تشكيك المسلمين في تراثهم، وتمييع مواقفهم حيال ثوابت دينهم، والقضاء على ثقتهم في ذواتهم وأمتهم، وإضعاف الصلات التي تربطهم بشريعتهم، وسلخهم من هويتهم الإسلامية؛ اعتقد الماسون يقينا أنهم أجهزوا على روح الإسلام وجوهره ورسمه؛ بحيث لم يتبقَّ منه سوى اسمه. 

 

ثم، وكما أشرتُ إلى هذا سابقا في سياق آخر، استيقظت الماسونية الشيطانية فجأة على حرب جهادية إسلامية؛ أحيَت الوجدان الإيماني في نفوس المسلمين، واستدعت إلى أذهانهم الأحداث والمفاهيم والمعاني القابعة في الأعماق السحيقة لأرشيف الذاكرة الإسلامية؛ مفاهيم الجهاد العقدي الإسلامي القائم على بيع المجاهدين أرواحهم وأهليهم وما يملكون في تجارة مع الله، مفهوم الفئة المؤمنة قليلة العدة والعدد والناصر؛ التي تغلب فئة كافرة معتدية هائلة العدة كثيرة العدد والأنصار؛ أي إنها استحضرت في نفوسنا، نحن المسلمين، غزوة بدر وما تلاها من بطولات جهادية إيمانية .

 

وهذا هو ما أصاب الماسونية بسعار محموم؛ دفعها لاستنفار جميع أذرعها ومخالبها التي هي وببساطة أقوى جيوش العالم وأضخم اقتصاداته، وأكبر وسائل الإعلام انتشارا في أصقاعه؛ لعلمهم أن غزة على وشك أن تتحول إلى شعلة أمل ونبراس ومؤذِّن يوقظ العقيدة القوية في نفوس المسلمين، بحيث تمثّل ملاحمهم وبطولاتهم الجهادية جسرا يربط المسلمين وواقعهم الراهن بجهاد أسلافهم الأسطوري، وينزع الوهن من قلوبهم؛ وهو ما حدث بالفعل. 

 

لم يعُد المسلمون في أصقاع الأرض بعد ملحمة السابع من أكتوبر كما كانوا قبلها؛ نفسا وروحا وقلبا ووجدانا، فلم تعُد ثقتهم في طاقاتهم الكامنة واهنة كما كانت قبلها، ولم يعُد الجهاد بالغالي والنفيس بعيدا عن أذهانهم ونفوسهم ولا غريبا على وجدانهم كما كان، ولم يعودوا يُسْلمون عقولهم ووجدانهم لأدوات الماسونية-الصهيونية يلقون نفاياتهم فيها كما كان، ولم تعُد الروابط بينهم وبين دينهم وتراثهم وجذورهم ضعيفة كما كانت. 

 

صحيح أن هذه المتغيرات لم تُفعّل بعد، ولم تتحقق عملا وتنعكس واقعا؛ ولم يُلحَظ أثرها؛ لكنها صُبَّت في نفوس المسلمين وأرواحهم وأفئدتهم صبّاً، ورسخت معانيها في وجدانهم، وغُرست مفرداتها في عقلهم الجمعي، ويقينا أنها ستختمر وربما يتراكم عليها ما بعدها مما يتّسق معها؛ حـتى يحين الوقت المناسب لتحققها على أرض الوقع؛ وهذا هو أهم معاني انتصار غزة وأقوى أبعاده وأكثرها عمقا؛ لأنه ليس مما يطفو على سطح الواقع، ولا مما يُدرَك من الوهلة الأولى.    

 

إظهار قيم الإسلام وسماحته 

 

تجلّى هذا في معاملة المجاهدين للأسرى "الإسرائيليين"، لا سيما النساء والأطفال منهم؛ وهو ما اعترف به الأسرى أنفسهم، وهذا يمثّل حلقة عملية في الدعوة إلى الإسلام، وكشف وجهه الصحيح المتسامح الذي ينبذ الوحشية والعنف ضد العزل؛ بعد أن بذلت الماسونية-الصهيونية جهودا مضنية لطمس مبادئ الإسلام الحقة السمحة وتشويه معالمه الإنسانية التي تفيض رحمة، وهذا نصر في حد ذاته للإسلام وأبنائه المجاهدين. 

 

إرغام الماسونية-الصهيونية على التخلّي عن "مساحيق التجمُّل"

 

مع أن الماسونية-الصهيونية تمثل السلطة الدولية الخفيّة التي تحكم العالم، وبصماتها واضحة على مقابض السلطة والتحكم ومكامن التأثير ومقاود التوجيه؛ في شتى المجالات والأنشطة على سطح البسيطة، بشكل لا لبس فيه، لكنها تحرص دائما على أن تحرّك أذرعها من وراء ستار؛ بحيث يبدو الأمر في النهاية كما لو كنا أمام فرد لا نبصره، لكننا نلمس تأثيره القوي، ونتاج تحركاته الفاعلة، وآثار خطواته البارزة، وبصمات أصابعه الدامغة، ونتائج قرارته النافذة؛ بكل وضوح.

 

والحق أن الماسون برعوا في هذا التخفي؛ ساعدهم في هذا، بطبيعة الحال، امتلاكهم لجميع الوسائل والأدوات والآليات اللازمة لتحقيق مآربهم الشيطانية، وبالشكل الذي يريدون، لكن حرب غزة أجبرتهم على الإعلان عن أنفسهم، وإماطة اللثام عن طبيعة تحركاتهم وتوجهاتهم اللاإنسانية البشعة؛ بعد أن كانوا حريصين على تغليفها بغشاء ظاهري مخادع ملتف؛ حتى ولو كان رقيقا يشفّ عمّا استُعمل لستره؛ ومن أهم شواهد هذا المتغير الخطير: 

 

اضطُرُّوا للتعامل الخشن الفجّ مع المتظاهرين المتعاطفين مع غزة وأهلها في دول الغرب الكبرى؛ ضد جرائم الإبادة الوحشية والتدمير الكلي الممنهج للقطاع وأهله، وألقوا القبض على أعداد منهم بشكل عنيف مهين ودون أي مبرر قانوني؛ إذ لم يتجاوز المحتجون النظام العام في بلدانهم؛ ضاربين بالقوانين والأعراف وحقوق الإنسان عرض الحائط وبشكل علني، وبات مؤكدا أنهم لم يروّجوا لهذه المفاهيم البرّاقة في ظاهرها إلا لأغراض شيطانية. 

 

اضطرت قوى الغرب الكبرى لإرسال أساطيلها إلى شواطئ غزة بالإضافة إلى دفعات من جنودها وضباطها للانخراط في القتال دون مواربة؛ حيث لم تسمح لهم بطولات المجاهدين بالاكتفاء بتزويد الكيان المجرم بالسلاح والدعم الاقتصادي والتغطية السياسية والإعلامية المنحازة؛ كما كان الأمر في الحروب السابقة مع القطاع؛ لأن هذا الكيان الطفيلي القذر كان على وشك الانهيار الفعلي التام. 

 

إحياء القضية الفلسطينية 

 

حيث عمل الكيان المجرم وداعموه الدوليون و"الإقليميون" منذ فترة طويلة على جعل العالم يعتاد الفظائع التي يرتكبها في حق الشعب الفلسطيني بشكل يومي، والنظر إليها والتعايش معها كما لو كانت أمرا طبيعيا؛ ممهِّدا بهذا لتصفية القضية في إطار ما عُرف بـ"صفقة القرن"؛ التي ما خفي منها أخطر وأكبر ممّا أُعلن وعُلم؛ فحلّت "طوفان الأقصى" على رؤوسهم كالصاعقة المباغتة التي أوقفت مخططاتهم الشنيعة، وأربكت تحركاتهم في هذا الخصوص. والحيثيات معلومة ولا يحتاج التعرف على تفاصيلها وطبيعة مسارها إلى كبير عناء. 

 

نتابع الحديث في مقال لاحق، بحول الله.

 

 

 


كلمات دلاليه

تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة