ظهور مقاومي غزة بعتاد الاحتلال.. صدمة في الوعي الصهيوني
![](https://mugtama.com/storage/uploads/uRrzK0Pcloe6KbsryUoY5q91n9ZjOVwemuBUIfFF.jpg)
في مشاهد ذات دلال مهمة، وغير مسبوقة، ظهرت مشاهد لمقاتلي المقاومة الفلسطينية وهم يستخدمون عتادًا ومركبات عسكرية "إسرائيلية" تم الاستيلاء عليها خلال معركة "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر.
لم تكن هذه الصور مجرد استعراض للقوة، بل شكلت زلزالًا داخل المنظومة العسكرية والإعلامية "الإسرائيلية"، حيث وضعت علامات استفهام حول مدى قدرة الجيش الصهيوني على حماية معداته ومواقعه العسكرية، وأظهرت هشاشة منظومته الأمنية التي لطالما تباهى بها.
ردود الفعل "الإسرائيلية" جاءت متباينة، فبينما عبرت القيادات العسكرية والسياسية عن صدمتها واعترافها بالفشل الاستخباراتي والعسكري، حاول الإعلام العبري تبرير ما حدث أو التقليل من تداعياته، لكنه في الوقت ذاته لم يستطع إنكار حجم الضربة التي تلقتها إسرائيل على المستوى العسكري والنفسي، فيما تأثر الشارع "الإسرائيلي"، بهذه المشاهد، إذ تراجعت ثقته بالجيش بشكل غير مسبوق، وازدادت مخاوفه من تصاعد قدرات المقاومة الفلسطينية.
كسر هيبة جيش الاحتلال.. سقوط الأسطورة
لطالما روجت "إسرائيل" لنفسها بأنها تمتلك "أقوى جيش في المنطقة"، مستندة إلى تفوقها العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي، لكن ما جرى في السابع من أكتوبر قلب المعادلة رأسًا على عقب؛ وذلك عندما ظهر مقاتلو المقاومة وهم يتجولون داخل غزة باستخدام مركبات مدرعة "إسرائيلية"، وأسلحة اغتنموها من مواقع عسكرية محصنة، لقد كانت هذه المشاهد بمثابة ضربة قاصمة لصورة جيش الاحتلال، ليس فقط أمام الداخل الصهيوني، بل أمام العالم كله.
وسائل الإعلام العبرية لم تتأخر في الاعتراف بهذه الحقيقة، حيث وصفت صحيفة "معاريف" المشهد بأنه: أكبر ضربة لصورة الجيش "الإسرائيلي" منذ عقود، أن ترى دباباتنا وأسلحتنا في يد حماس هو أكثر من مجرد خسارة عسكرية، إنه إذلال قومي.
هذا الفشل لم يكن مجرد خطأ تكتيكي، بل كشف عن نقاط ضعف خطيرة في العقيدة الأمنية الصهيونية، فبدلًا من أن يكون الجيش "الإسرائيلي" المتحكم في مجريات الحرب، وجد نفسه في موضع الدفاع عن النفس، بعد أن سقطت مواقعه في أيدي المقاومة.
ما زاد من خطورة الأمر أن هذه المشاهد جاءت بعد سنوات من عمليات التطوير والتحديث التي أجراها جيش العدو، مما يثير تساؤلات حول مدى كفاءة هذه التحديثات إذا كانت المقاومة قادرة على اختراق المواقع العسكرية والاستيلاء على العتاد بهذه السهولة.
انعكاسات المشاهد على المجتمع الصهيوني.. الخوف والشكوك
لم تكن هذه المشاهد مجرد استعراض للقوة من جانب المقاومة الفلسطينية، بل أحدثت صدمة عميقة في المجتمع "الإسرائيلي"؛ فلأول مرة منذ عقود، يجد "الإسرائيلي" نفسه أمام واقع جديد، حيث لم يعد جيش الاحتلال القوة التي تحميه وتوفر له الأمن المطلق. هذه الصدمة انعكست بشكل مباشر على المزاج العام في الكيان الصهيوني، حيث ارتفعت معدلات القلق والخوف بشكل غير مسبوق.
وفقًا لاستطلاع رأي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الثقة في المؤسسة العسكرية تراجعت بنسبة 20% بعد هذه المشاهد، وهو أكبر انخفاض في ثقة "الإسرائيليين" بجيشهم منذ حرب أكتوبر 1973. هذا التراجع لم يكن فقط بسبب فقدان المعدات العسكرية، بل لأنه كشف عن فشل استخباراتي وأمني واسع النطاق، جعل الصهاينة يشعرون بأنهم أمام تهديد لم يحسبوا حسابه.
لم يتوقف التأثير عند الشارع "الإسرائيلي"، بل امتد ليشمل القيادة السياسية والعسكرية. فقد تصاعدت الانتقادات الداخلية، حيث اتهمت المعارضة "الإسرائيلية" رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته بالفشل في حماية أمن الكيان. كما دعا عدد من المسؤولين السابقين إلى إجراء تحقيقات موسعة حول الإخفاقات التي أدت إلى هذا السيناريو الكارثي.
من ناحية أخرى، يرى محللون عسكريون أن الصدمة النفسية التي أحدثتها هذه المشاهد داخل الكيان المحتل ستكون طويلة الأمد، ولن يكون من السهل إعادة بناء الثقة بالجيش مرة أخرى، خاصة إذا استمرت المقاومة في استعراض قوتها من خلال عمليات جديدة.
تعزيز الدعوات للرد الحازم وتصعيد العدوان
مع تصاعد الغضب داخل الكيان الصهيوني، حاولت حكومة الاحتلال الظهور بمظهر القوي عبر التهديد بمزيد من العمليات العسكرية في غزة. فقد صرح رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مع قادة الجيش قائلًا: "هذه المشاهد خطيرة وصادمة، علينا استعادة هيبة جيشنا فورًا وعدم السماح لحماس بأن تسخر منا بهذه الطريقة".
لكن على الرغم من هذه التصريحات، فإن كثيرًا من المحللين "الإسرائيليين" يشككون في قدرة الجيش على تحقيق أي إنجاز عسكري يعيد الثقة المفقودة. إذ إن المقاومة أثبتت قدرتها على التكيف مع الهجمات العسكرية، وحققت اختراقات نوعية في المنظومة الأمنية الصهيونية.
في الوقت نفسه، دعت أصوات متطرفة داخل الكيان إلى تصعيد غير مسبوق ضد غزة، معتبرين أن السماح للمقاومة الفلسطينية بالظهور بهذا الشكل يمثل "إهانة يجب محوها بأي ثمن".
العميد احتياط تسفيكا فوغل، القائد السابق للمنطقة الجنوبية في الجيش "الإسرائيلي"، قال في تصريحات لقناة 12 العبرية: "المقاومة الفلسطينية أظهرت أن لديها قدرات تتطور بشكل خطير، وهذا يعني أننا بحاجة إلى عمليات عسكرية أوسع وأشد قسوة، يجب ألا نسمح لهم باستخدام عتادنا ضدنا".
لكن حتى مع هذه الدعوات، هناك مخاوف "إسرائيلية" من أن أي تصعيد عسكري قد ينتهي بكارثة جديدة، خاصة إذا ما تمكنت المقاومة من تحقيق مزيد من الإنجازات الميدانية أو توجيه ضربات موجعة لجيش الاحتلال.
يعيش المجتمع الصهيوني اليوم بين خيارين متناقضين: الخوف والقلق من تصاعد قوة المقاومة، والاعتراف غير المباشر بفشل الجيش والاستخبارات في حمايته، في حين هناك دعوات للانتقام والتصعيد العسكري، في محاولة لاستعادة الهيبة المفقودة.
لكن بغض النظر عن ردود الفعل، فإن المَشاهد التي خرجت من غزة تركت أثرًا لا يُمحى في الوعي الصهيوني، وستظل تُذكّر "الإسرائيليين" بأن المقاومة الفلسطينية ليست فقط قادرة على الصمود، بل على إلحاق الهزيمة النفسية والعسكرية بهم، وإن ظهور مقاتلي المقاومة بعتاد الاحتلال يُعد تحولاً مهماً في معادلة الصراع، حيث أثر على المعركة العسكرية والإعلامية والنفسية.
فبينما يرى الفلسطينيون والعرب في هذه المشاهد رمزًا للصمود والانتصار، يراها الصهاينة كابوسًا يهدد أمنهم القومي، ويضعف ثقتهم في جيشهم.
ومع استمرار عمليات تسليم الأسرى، يبدو أن الأيام القادمة قد تحمل مزيدًا من المفاجآت من جانب المقاومة الفلسطينية، التي لا تزال تملك أوراقًا لم تكشف عنها بعد، في ظل فشل الاحتلال في تحقيق أي إنجاز ميداني حقيقي.