13 فبراير 2025

|

لماذا يهاجمون «الإسلام السياسي»؟

منذ قرون، يتعرض الإسلام، كدين وشريعة ومنهج حياة، لهجمات ضارية، زاد من وطأتها تورط بعض من يدينون به في شن حملات التشويه والازدراء، والانتقاص من قدرة هذا الدين على قيادة البشرية إلى بر الأمان.

 

من مظاهر هذا الهجوم المتواصل، فرض مسميات بعينها، واختزال الإسلام كرسالة للعالمين في مصطلح "الإسلام السياسي"، الذي شاع في الأدب الغربي، منذ سبعينيات القرن العشرين، وجرى صكه على يد المستشرق البريطاني ذو الأصول اليهودية "برنارد لويس"، وقد جرى استنساخه أو -بشكل أدق- إملاء استخدامه على الساحتين العربية والإسلامية من قبل "لوبيات" ضغط فكرية وثقافية وإعلامية، مدعومة غربيا.

 

المصطلح المثير للجدل، ينتقص من رسالة الإسلام، كدين شامل يغطي جميع مناحي الحياة؛ من السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون والتربية والتعليم والإعلام والترفيه، وغير ذلك من مجالات.
 وأصول الإسلام المتمثلة في الكتاب والسنة واجتهادات الفقهاء المسلمين قديما وحديثا زخرت بالحديث عن هذا الشمول، ما يؤكد أن الإسلام جاء كنظام حكم وحياة، وليس قاصرا على الشعائر والطقوس الروحانية فقط، ومما يرسخ هذه القضية أن «محمدا» صلى الله عليه وسلم، كان نبيا ورسولا، ورئيس دولة، وقائدا للجيوش، وإماما عادلا، ورائدا للإنسانية جمعاء.

 

زاد الهجوم ضراوة، بالربط بين هذا الدين العظيم الذي جاء به خاتم الرسل محمد، صلى الله عليه وسلم، وبين التشدد والإرهاب والتطرف والعنف، وغير ذلك من مظاهر سلبية، لا تمت لدين السماحة بصلة، لكن أُريدَ لها أن تظل وصمة عار تنتقص من قيمة الإسلام، وتلاحق أصحابه، بل تصبح «تهمة» يعاقب عليها القانون -للأسف في دول عربية وإسلامية- حين ترتفع الدعوات إلى تحكيم شرع الله، وتطبيق الحدود.

 

بلغ الأمر مداه، بتجريم من يلتحقون بالحركات الإسلامية، ويشاركون في السباقات الانتخابية؛ للوصول إلى السلطة، والمشاركة في الحكم، واعتبار ذلك جريمة تصل بهم إلى السجن، بل إلى حبل الإعدام، وكأن هذا الدين جاء للمسجد فقط، وليس لإدارة شؤون الحكم، أو هو مجرد صلاة وصوم وزكاة وحج فقط، دون أن يكون مظلة حاكمة، ومنظومة متكاملة تدير شؤون المسلم وغير المسلم، وفق كتاب الله، عز وجل وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم.

 

ربما كان من الخطأ الجسيم، الذي يتحمله قطاع ليس بالهين من الإسلاميين، القبول بالمصطلح من الأساس، وتمرير استخدامه، والقبول بتسويقه، دون تحفظ أو اعتراض، وكأن هناك إسلاما سياسيا، وآخر اقتصاديا، وآخر اجتماعيا، وآخر سلفيا، وهناك «مودرن» على النمط الأوروبي، لا إسلاما شاملا، قال عنه الله في محكم كتابه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (المائدة: 3).

 

يقول العلماء والمفسرون، إن هذه أكبر نعم الله عز وجل على هذه الأمة، حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم، أي: فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) وهو الإسلام، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا.

 

زادت الهجمات شراسة وضراوة وعنفا، حينما نجح الإسلاميون في تحقيق نتائج معتبرة عقب الثورات في بعض البلاد العربية، ووصول أحزاب ذات توجه إسلامي إلى الحكم في دول عدة، ليصبح الخوف من نجاح ما يسمى بحركات «الإسلام السياسي» كابوسا، يجب العمل على التخلص منه، بل واستئصاله، ووأد التجربة قبل أن تشب وتترعرع في بيئة مناسبة، صالحة للنمو.

 

ربما يستغرق البعض في حديث الأخطاء وسرد المبررات، والتنظير هنا وهناك، دون الولوج صراحة إلى الحقيقة المُرّة، والإقرار علنا بأن قرارا دوليا وإقليميا كان صادرا بإجهاض أي تجربة للإسلاميين، حتى ولو كانت معتدلة، والحيلولة دون منح «الإسلام السياسي» الفرصة الكافية للتعبير عن نفسه، وخوض التجربة، بنزاهة وشفافية، والارتضاء بنتائج الصندوق الانتخابي، كمعيار ديمقراطي للحكم على نجاح التجربة من عدمه.

 

نعم.. هناك أخطاء، لكن الأخطاء لم تكن بمعزل عن المؤامرات والتدخلات الخبيثة والضغوط المتواصلة والتحركات المشبوهة من قوى الثورة المضادة، لتكون النتيجة ليس فشل حزب أو جماعة، بل، وفق مخططاتهم، شهادة بعدم صلاحية الإسلام كمنهج حكم وإدارة للدولة، والترويج للعلمانية كنظام صالح في كل زمان ومكان.

 

إن الهجوم المتعمد والمتواصل على حركات «الإسلام السياسي»، مرده الخوف الشديد من إمكانية تقديم تجربة ناجحة في الحكم والاقتصاد والاجتماع، قد تغري الآخرين بالعمل على تكرارها، أو بروز قوة دولية على الساحة ذات توجه إسلامي، تطيح بعرش قوى الاستعمار الغربي، وتعيد للمسلمين اعتبارهم، وتحيي أمجاد الخلافة الإسلامية، أو على أقل تقدير، تعمل على امتداد الفكرة إلى مجتمعات انتزعت من هويتها الإسلامية، فتستعيد جذورها وأصالتها.

 

شاء من شاء، وأبى من أبى، هناك إسلام واحد، دين متكامل، منهج صالح لكل الأزمنة والأمكنة، سموه ما شئتم، لكنه قادر على البقاء والصمود، يملك أسباب الرسوخ والاستقرار، ينثر بذور الخير والفضيلة، يقدم حلولا لكل مشاكل وأزمات البشرية، يحمل طوق نجاة للحائرين والتائهين والغارقين في بحر الظلمات، يضيء جوانب الكون بمصابيح النور والأمن والرخاء، حال تطبيقه والسير على منهاجه.

 


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة