لم تعد مجتمعاتنا كما كانت عليه في القرن الماضي، فهناك العديد من المتغيرات على كافة المستويات، تأتي زيادة أعداد المشاهدين للدراما والأغاني الأجنبية لا سيما من فئة الشباب على رأس هذه المتغيرات، بسبب العولمة وانفجار ثورة الاتصالات، وما نتج عن ذلك من انتشار كثيف للقنوات الفضائية في جل البيوت، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الأدوات التي قربت البعيد وجعلت ما كان مستحيلاً بالأمس ممكناً اليوم!
الإشكالية الكبرى أن الدراما والأغاني القادمة إلينا من ثقافات بعيدة تساهم بشكل أو بآخر في توجيه اهتمامات الشباب وسلوكياتهم، وتغرس في نفوسهم قيماً من النوع غير المرغوب، الذي يصطدم بقوة مع قيمنا الإسلامية وأعرافنا وعاداتنا الأصيلة.
الأسباب والدوافع
هناك العديد من الأسباب التي تجعل الشباب تحديداً ينساق وراء الدراما والأغاني الأجنبية يمكن إجمالها في الآتي:
1- انبهار العقل العربي بالثقافة الأجنبية في ظل الهزيمة النفسية التي أصابت كثيراً من أبناء الأمة الإسلامية، وتجلت تبعاتها في انهيار الشخصية أمام العدو الحقيقي للأمة على كل المستويات سواء كانت عسكرية أو فكرية أو حضارية، فصار كثير من أبناء الأمة وشبابها مغرماً بالأعمال الفنية الغربية، بل يعتبر أن استماعه ومشاهدتها لها معيار تحضر ورقي.
2- طبيعة الشباب الرافضة والمتمردة، ورغبتهم في التفرد والتميز، فالاستماع إلى الأغاني الأجنبية فضلاً عن مشاهدة الأعمال التلفزيونية الأجنبية وسيلة من وسائل الهروب التي يلجأ إليها الشباب من واقعه المزري، ففيها -أي في المواد الأجنبية- ما يصور له واقعه الذي يطمح إليه ويتمناه، ولا يدرون أن مثل هذه المواد الدخيلة تم إنتاجها في بيئات مختلفة إلى حد كبير عن البيئات التي ترعرعوا فيها ما يعرضهم لاحقاً إلى الصدمات العنيفة حين تتسع الفجوة بين ما هو مأمول والواقع دون امتلاك الأدوات المعينة لتقريب الفجوة.
3- انتشار المدارس العالمية والجامعات الخاصة؛ لا شك أن لمدارس اللغات أو المدارس العالمية ميزات، لكنْ في الوقت نفسه لها عيوب ومساوئ؛ ذلك أن هذا النمط من التعليم يأتي ضمن منظومة محكمة لتغريب النشء وعزلهم عن لغتهم وثقافتهم العربية، ويفتح المجال لغزو العقول بالأفكار المستوردة والثقافات العابرة للقارات، فكثير من طلاب وطالبات هذه المدارس يشاهدون الأفلام الأجنبية ويستمعون إلى الأغاني الأجنبية عبر تطبيقات أعدت خصيصاً للأفلام والأغاني الأجنبية وسط انبهار من الأهل وتشجيع متواصل على استخدام اللغة الأجنبية في التواصل بدلاً من اللغة العربية.
وقد خلصت الدراسة التي جاءت تحت عنوان «تعرض المراهقين للدراما الأجنبية وعلاقته بالانحرافات السلوكية لديهم- دراسة ميدانية في إطار نظرية تأثير الشخص الثالث» للدكتور محمود حسن إسماعيل، أستاذ ورئيس قسم الإعلام وثقافة الطفل بمعهد الدراسات العليا للطفولة جامعة عين شمس، إلى أن نسبة 25.8% من أفراد العينة المكونة من 400 مبحوث يشاهدون الدراما الأجنبية دائماً، ونسبة 54.3% منهم يشاهدونها أحياناً، ونسبة 20% منهم يشاهدونها نادراً.
وأظهرت النتائج أن نسبة 26% من أفراد العينة يفضلون مشاهدة الدراما الأجنبية في القنوات الفضائية العربية، ونسبة 38.3% منهم يفضلون مشاهدة الدراما الأجنبية بالقنوات الفضائية الأجنبية، ونسبة 35.7% منهم يشاهدون الدراما الأجنبية في القنوات الفضائية العربية والقنوات الفضائية الأجنبية كليهما يستويان.
4- ضعف الإنتاج الدرامي المنسجم مع العادات والتقاليد والأعراف الدينية الذي يداعب أحلام الشباب، ويواكب تطلعاتهم، ويشعرهم بالمتعة والتسلية المطلوبة، ولما وجد هذا النوع من الدراما لاقى إقبالاً واسعاً من مختلف الشرائح.. مسلسل «عثمان»، ومسلسل «أرطغرل» نموذجين!
5- تلقى الدراما والأغاني الأجنبية اهتماماً كبيراً حتى في أدق التفاصيل، حيث تخصص للأعمال الفنية التي تنتج في بلاد الغرب موارد مالية ضخمة تؤثر إيجاباً على جودة الصوت والصورة وعوامل الإثارة وإظهار الشوارع نظيفة، والأحياء مرتبة، والمطاعم أنيقة، في الوقت الذي لا تجد فيه الأعمال الفنية العربية هذا الاهتمام الكبير؛ مما يؤثر سلباً على جودة العمل؛ ما يجعل الشباب يُقبل على النوع الأول.
6- الواقعية؛ ففي دراسة بعنوان «تأثير الدراما العربية والأجنبية المقدمة في القنوات الفضائية العربية على قيم اتجاهات الشباب العربي»، أجريت على 400 مبحوث من الشباب المصري، أكد المبحوثون أن السبب في مشاهدتهم للأعمال الفنية الأجنبية واقعية المضمون الدرامي التي تتحلى بها هذه الأعمال في ظل غياب الواقعية في جل الأعمال الفنية العربية.
7- كذلك من ضمن أسباب تعلق فئة كبيرة من الشباب والشابات، بل حتى عموم النساء بالدراما الكورية والهندية والمكسيكية، ما تقوم الدول المنتجة من جهود لنشر ثقافتها حول العالم، وبينما تعمد كثير من الدول لحماية ثقافتها وعاداتها من الثقافات الدخيلة تبرع دولنا العربية في استقبال هذا النمط الثقافي الدخيل، انظر مثلاً لثقافة «الهاليو» الكورية، فهي حركة ثقافية انطلقت في التسعينيات لغزو العالم بالأفكار الكورية، ولا أفضل من الأغاني والدراما والأفلام كوسيلة لتوصيل الأفكار بسرعة وسهولة، لا سيما حين تعتمد الأعمال الكورية على قضايا تشغل بال فئة الشباب تحديداً، فهي في مجملها تدور حول الحب والرومانسية المفرطة في ظل جفاف عاطفي قوي يخترق البيوت العربية، ولعل هذا ما يفسر إقبال شريحة لا بأس بها من الشباب العربي لتعلم اللغة الكورية.