تشير التطورات الكبيرة والمتسارعة في عالم التكنولوجيا إلى أن الذكاء الاصطناعي سيُعتمد لتعليم الأطفال، ما تسبب في ظهور مخاوف من تأثير التقنيات الحديثة على توجهات الأجيال القادمة.
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، حذرت بدورها من الاستعاضة عن المعلمين ببرامج الذكاء الاصطناعي؛ فهي ترى أن ذلك يؤثر على الصحة العاطفية للأطفال ويجعلهم عرضة للتلاعب.
في سلسلة توجيهات أصدرتها “اليونسكو” يوم (7 سبتمبر 2023)، دعت الحكومات إلى العمل “سريعاً” على تنظيم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية، ومن ضمن ذلك حصر استخدامها بالأولاد الأكبر سناً.
واعتبرت المنظمة الأممية أن السلطات العامة غير جاهزة لإدارة مسائل الأخلاقيات المرتبطة باعتماد برامج الذكاء الاصطناعي في البيئة المدرسية.
ونقل بيان عن المديرة العامة لـ”اليونسكو”، أودري أزولاي، قولها: إن “الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يكون فرصة كبيرة للتطور البشري، لكنه يمكن أن يكون أيضاً مصدر ضرر وأذى”.
وأضافت أزولاي أنه “من غير الجائز إدخاله في التعليم من دون مشاركة العامة وضمانات وتشريعات حكومية متينة”.
الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي، ومن بين تعريفاته، هو مجموعة من التقنيات والأنظمة التي تهدف إلى إعطاء الأنظمة الحاسوبية القدرة على أداء مهام تعتبر ذكية؛ عندما يقوم بها البشر.
يتمثل هدف الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة قادرة على التعلم من البيانات، واتخاذ قرارات استناداً إلى هذا التعلم، وذلك دون الحاجة إلى برمجة محددة لمهمة معينة.
يُستخدم الذكاء الاصطناعي في مجموعة متنوعة من الصناعات والتطبيقات وضمن ذلك الطب، والتصنيع، والسيارات، والتمويل، والألعاب، والتعليم، والرعاية الصحية، وغيرها.
ويمثل ازدياد استخدام الذكاء الاصطناعي تحولاً مهماً في كيفية التفاعل البشري مع التكنولوجيا، وكيفية أداء الأنظمة الحاسوبية المهام المنوطة بها.
ومنذ نهاية عام 2022، كثرت برامج الذكاء الاصطناعي المتاحة لعامة الناس، عندما أطلقت شركة “أوبن إيه آي” الأمريكية الناشئة برنامج “تشات جي بي تي” القادر على كتابة مقالات وقصائد وإجراء محادثات متماسكة بناءً على أسئلة مختصرة.
لكنّ ازدهار هذه البرامج أثار في الوقت عينه مخاوف من أشكال جديدة من السرقة الفكرية أو الغش في المدارس والجامعات.
انجذاب الأطفال
اهتمام الأطفال بالذكاء الاصطناعي يأتي في سلسلة اهتمامهم الكبير بعالم التقنية الحديثة التي أصبح ارتباطهم بها كبيراً ومؤثراً عبر أجهزة الموبايل والكمبيوتر.
يمكن أن يكون اهتمام الأطفال بالذكاء الاصطناعي مفيداً وله تأثير إيجابي على تطويرهم الشخصي والمهني، وفي الوقت ذاته يحمل خطورة صحية وأخلاقية لهم أيضاً.
هذا وقد حث خبراء على ضرورة توخي الحذر بشأن المخاطر المحتملة لتعريض الأطفال لتكنولوجيا غير مثبتة دون التفكير في كيفية تأثيرها على نموهم النفسي والمعرفي.
في هذا الإطار، تقول أخصائية علم نفس الأطفال ومؤلفة كتاب “How Toddlers Thrive” الدكتور توفاه كلاين، بحسب “CNBC الأميركية”: “نحن نعلم أن الذكاء الاصطناعي لا يزال أمامه طريق طويل لنقطعه من حيث الدقة”.
وتابعت: “بالتأكيد بالنسبة للأطفال الأصغر سنًا، بالنسبة للأطفال في سن الابتدائية وما قبل المدرسة، فهم بالتأكيد بحاجة إلى مشاركة الكبار بحال استخدام العالم الرقمي، ناهيك عن عالم رقمي قد يحتوي على المزيد من المعلومات غير الدقيقة”.
وكشفت كلاين السبب في أن السماح لأطفالك باسخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يعد فكرة سيئة، وما يجب على الأهل فعله بدلاً من ذلك.
“حتى أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تطورت لدرجة الاقتراب من الذكاء على المستوى البشري لا تزال تميل إلى إنتاج معلومات غير دقيقة.”
وتقول كلاين إن الأطفال الأصغر سنًا في سن المدرسة الابتدائية هم أكثر عرضة بكثير من البالغين لاعتبار المعلومات كحقيقة من شخصية ذات سلطة دون التشكيك فيها.
وتضيف أن هذا يجعل من المهم للأطفال أن يكون لهم حضور بالغ يساعدهم على تطوير فهم أن المعلومات في بعض الأحيان دقيقة، وفي بعض الأحيان ليست كذلك.
حتى بدون القلق من المعلومات الخاطئة، لا يزال يتعين عليك الإشراف على الاستخدام للذكاء الاصطناعي من قبا أطفالك لسبب بسيط، كما تقول كلاين: أنت تفهم السياق والفوارق الدقيقة بشكل أفضل مما تفعله الآلات. يحتاج الأطفال إلى فهم الخطوات الفردية لإكمال مسألة رياضية، بدلاً من إدخال المحتوى لإجابة صحيحة أو خاطئة.
“المعلمون والبرامج التعليمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون مفيدة في نهاية المطاف للأطفال الصغار، وخاصة أولئك الذين يفتقرون إلى الوصول إلى الموارد التعليمية. لكن أحذر من السماح للأطفال بالاعتماد عليهم كأداة رئيسية للتعلم.”
كما أشارت الخبيرة إلى مخاطر الاستخدام المفرط.
“كلما زاد الوقت الذي يقضيه الأطفال مع الذكاء الاصطناعي، قل الوقت الذي يقضونه مع البشر الآخرين.
تقول: “التفاعل البشري مهم، والشاشات تحد من ذلك. الأطفال في مرحلة التعلم الانمائي السريع، وأدمغتهم تتحرك بسرعة. وجزء مما يتعلمونه هو تبادل الإشارات غير اللفظية “.
وتقدم كلاين بعض النصائح للآباء عندما يتعلق الأمر بالسماح لأطفالهم باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي كجزء من تعليمهم:
– لا تدع أدوات الذكاء الاصطناعي تكون مصدر معلوماتها الوحيد.
– تأكد من أن الإنسان يمكنه مساعدتهم في التحدث عن كيفية وصولهم إلى إجابة.
– ساعدهم على فهمها تمامًا، حتى لا يفوتهم التطور المعرفي المهم.
– ساعد أطفالك على فهم أنهم يتفاعلون مع آلة.
– راقب مقدار الوقت الذي يقضيه أطفالك في ذلك، تمامًا كما تفعل مع وسائل التواصل الاجتماعي.
والجدير بالذكر أن كلاين لا يوصي بإبعاد الذكاء الاصطناعي عن أطفالك تمامًا.