بينما تعرّف المنظمات الدولية الطفولة بأنها مرحلة حيوية في تكوين الإنسان وتطوره، تمثل الأساس الذي يبنى عليه شخصيته وهويته ومهاراته، عبر أنشطة اللعب بالأساس، يفتقر أطفال فلسطين إلى حقهم في الطفولة السعيدة والآمنة، وسط ممارسة منهجية لإبادة جماعية وحشية ينفذها جيش الاحتلال الصهيوني على مدار الساعة، وعلى مدى أكثر من شهرين متتابعين.
نصيب الأسد من جرائم الاحتلال كانت من نصيب الأطفال، إذ يمثلون مع النساء 70% من شهداء غزة، بحسب بيان لوزارة الصحة في القطاع، كما جرى اعتقال 880 منهم في الضفة الغربية وحدها، منذ بداية العام الجاري، حسبما أورد بيان لنادي الأسير الفلسطيني.
ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن الاحتلال «الإسرائيلي» قتل أكثر من 10 آلاف طفل ورضيع منذ بدء هجومه على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر الماضي.
وقدر المرصد الأورومتوسطي أن إجمالي عدد الأطفال ضحايا الإبادة الجماعية التي تمارسها «إسرائيل» في قطاع غزة بلغ نحو 700 ألف طفل، ما بين شهيد ومصاب ومشرد من دون مأوى.
اعتقالات عشوائية
وشهد العام الجاري تصاعداً في الاعتقالات وبشكل غير مسبوق بحق الأطفال الفلسطينيين، وتحديداً منذ بدء العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة، في7 أكتوبر الماضي، وفقاً لبيان نادي الأسير، إذ كان إجمالي عدد الأطفال المعتقلين في سجون: عوفر، ومجدو، والدامون، حتى نهاية أكتوبر الماضي، 200 طفل فقط، بينهم 26 طفلاً رهن الاعتقال الإداري.
والاعتقال الإداري قرار حبس بأمر عسكري، بزعم وجود تهديد أمني دون توجيه لائحة اتهام، ويجدد لـ6 أشهر قابلة للتمديد، بحسب إجراءات جيش الاحتلال.
لكن هذه الإجراءات لا تسري على كل الأطفال، إذ تنتهج حكومة الاحتلال سياسة التمييز العنصري ضد الأطفال الفلسطينيين؛ بينما تتعامل مع الأطفال «الإسرائيليين» من خلال نظام قضائي خاص بالأحداث تتوفر فيه ضمانات المحاكمة العادلة.
وحتى على مستوى التعريف، تعتبر المحاكم الصهيونية الطفل «الإسرائيلي» كل شخص لم يتجاوز سن 18 عاماً، في حين تتعامل مع الطفل الفلسطيني بأنه كل شخص لم يتجاوز سن 16 عاماً.
وما يسري على باقي الفلسطينيين يسري على الأطفال، من قتل واعتقال وتعذيب وتشريد وتهجير وحرمان وترهيب وتنكيل، وهي انتهاكات تؤثر سلباً على صحتهم النفسية والجسدية والاجتماعية والتعليمية، وتحرمهم من مستقبلهم وأحلامهم.
اغتيال ممنهج
بدا واضحاً أن الاحتلال يستهدف اغتيال الأطفال، إما جسدياً، كما جرى في مخيم جنين بالضفة الغربية في 29 نوفمبر الماضي، أو معنوياً بالاعتقال أو بالقضاء على كافة مقومات الحياة الكريمة، خاصة في قطاع غزة، وسط قصف ممنهج لكل مرافق الحياة.
ووفق بيان وزارة الصحة الفلسطينية، فإن الطفلين الشهيدين آدم سامر الغول (8 أعوام)، وباسل سليمان أبو الوفا (15 عاماً)، قد أظهرت مقاطع مصورة لحظة «قنصهما» من جنود الاحتلال خلال وجودهما أمام منزلهما في شارع البساتين بمخيم جنين.
أما الأطفال الأسرى فيعانون في سجون ومعتقلات الاحتلال من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، تفتقر للحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال وحقوق الأسرى، إذ إنهم يعانون من نقص الطعام ورداءته وانعدام النظافة وانتشار الحشرات والاكتظاظ والاحتجاز في غرف لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتين، والإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، حسبما كشفت شهادات المفرج عنهم في إطار صفقة تبادل الأسرى التي جرت بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال خلال هدنة الأيام السبعة، قبل أن يعاود الاحتلال جرائمه الوحشية بقصف المنازل على رؤوس الأطفال وأهلهم.
كما يعاني الأطفال من نقص الملابس والانقطاع عن العالم الخارجي والحرمان من زيارة الأهالي، والاحتجاز مع جنائيين «إسرائيليين»، بالإضافة إلى الإساءة اللفظية والضرب والعزل والتحرش الجنسي والعقوبات الجماعية وتفشي الأمراض، وفق الشهادات ذاتها، التي نقلتها قناة «الجزيرة».
كما وثقت المنظمات المعنية بشؤون الأسرى وحقوق الطفل شهادات أخرى أن سلطات الاحتلال تمارس أشكالاً مختلفة من التعذيب بحق الأسرى، مثل الضرب الشديد منذ لحظة الاعتقال بواسطة البنادق والأرجل، وإطلاق الكلاب البوليسية المتوحشة على الأسرى، والتعذيب والإهانات والتهديد خلال عمليات الاستجواب، وترك الجرحى ينزفون لفترات طويلة، وإجبارهم على الإدلاء باعترافات تحت الضرب والتعذيب والتهديد باعتقال أفراد الأسرة، وتقييد الأطفال المصابين بأسرّة المستشفيات تحت حراسة مشددة ووسط معاملة سيئة.
محاكم عسكرية
ويعتبر الكيان الصهيوني الوحيد في العالم الذي يحاكم الأطفال في المحاكم العسكرية، حيث يتم محاكمة ما بين 500-700 طفل فلسطيني سنويًا في هذه المحاكم، بحسب بيانات رسمية.
وبالنظر إلى الأحكام المفروضة على الأطفال الأسرى، يتبين أن بعض الأطفال حكم عليهم بالسجن المؤبد، وآخرين بالسجن لمدة 15 عاماً، وبعضهم لمدد تتراوح ما بين 5 سنوات و9 سنوات، وغالباً ما يكون الحكم مقروناً بغرامات مالية كبيرة.
وتمثل كل تلك الممارسات انتهاكاً لحقوق الأطفال، إذ تنص المادة (16) من اتفاقية حقوق الطفل العالمية على أنه: «لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته»، كما تنص على أن «للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس».
وإزاء كل تلك الظروف، ينشأ الطفل الفلسطيني في ظروف معاناة لا يتحملها الكبار، ما يمثل صقلاً كبيراً لشخصياتهم من جانب، وضغطاً نفسياً يفوق طاقة أعمارهم، من جانب آخر، وهو ما كشفت عنه العشرات من مقاطع الفيديو التي يوثق فيها أهل غزة ردود فعل أطفالهم على قصف المنازل وإصاباتهم في المستشفيات، في ملحمة وصفها عديد المتابعين بأنها «مدرسة» المعلمون فيها هم الأطفال، والمتعلمون فيها هم الكبار.