للانتخابات البرلمانية المقبلة في الهند أهمية بالغة، إذ تحاول أحزاب المعارضة وقف انتصارات حزب بهاراتيا جاناتا، وهي أيضاً تمثل واحدة من أكبر التحديات والفرص للمسلمين في البلاد، الذين يواجهون تحديات متعددة فيما يتعلق بالتمثيل السياسي والمشاركة في العملية الديمقراطية.
قبل يومين، أعلنت لجنة الانتخابات مواعيد إجراء الانتخابات العامة للبرلمان الهندي عام 2024م، وأنها ستُجرى على 7 مراحل؛ بدءاً من 19 أبريل الجاري وحتى الأول من يونيو المقبل، على أن يتم إعلان النتائج في 4 يونيو.
وخلال مؤتمر صحفي، أعلنت اللجنة الانتخابية أنها تعمل على مكافحة «MS4»؛ وهي «العضلات والمال والمعلومات الخاطئة وانتهاكات قانون السلوك الانتخابي» التي تعيق الطريق نحو انتخابات حرة ونزيهة.
منذ استقلال الهند، شهدت البلاد عملية ديمقراطية نشطة تميزت بالتنوع الثقافي والديني، ومع ذلك، يظل التمثيل السياسي للمسلمين موضوعًا للجدل والنقاش، حيث يعاني المسلمون من عدم التمثيل الكافي في الهيئات التشريعية والحكومية.
ومع اقتراب الانتخابات، دعت بعض النخب المسلمة المجتمع المسلم إلى إعادة النظر في دعم حزب بهاراتيا جاناتا، زعماً أن المسلمين الهنود لا يتعرضون للتمييز، ويُجادل هؤلاء المثقفون بأن حزب بهاراتيا جاناتا يولي اهتمامًا خاصًا للمسلمين من الطبقة الدنيا والمسلمين المتصوفين، ولم يحدث أي عنف طائفي كبير منذ عام 2014م، وأن الهند عادت أكثر سلامًا خلال الخمسين سنة الماضية.
مع أن هذه الادعاءات تقوم على نصف الحقائق وتتجاهل المشكلة الأساسية التي تشكل حياة المسلمين في الهند، فإن الادعاء بعدم حدوث عنف كبير ضد المسلمين منذ عام 2014م كذب صارخ، فالعنف الرهيب الذي وقع في دلهي عقب حركة «شاهين باغ» الضخمة، التي حرض عليها بعض مرشحي حزب بهاراتيا جاناتا («أطلق النار»، و«سنزيلهم من مكان الاعتصام») أدى إلى مقتل 51 شخصًا، 37 منهم من المسلمين.
ويقول تقرير قدمه فريق التحقيق الذي شكلته مركز دراسات المجتمع والعلمانية: إن الاضطرابات الطائفية في نوح التي وقعت في 31 يوليو 2023م مرتبطة بشكل معقد بالاستهداف المنهجي والواضح للمسلمين في المنطقة دون أي احتمال للعدالة من الدولة.
لقد شعر السكان بالدهشة والاستياء من سهولة اختطاف الشباب المسلمين وقتلهم دون أن تقوم الدولة بإجراءات كافية لضمان أن يتم إحضار المذنبين إلى العدالة، بينما يتمتع الجناة بالإفلات من العقاب، وهكذا وقعت الاضطرابات الطائفية في غورغاؤ، وتم إحراق المساجد وقتل الإمام فيها، وحالة منو مناصر التي كانت جزءًا من جريمة ناصر وجنيد هي الأكثر رعبًا.
كتب هارش مندر الذي زار عائلات الضحايا: «أشعر بقشعريرة عميقة وأنا أفحص صفحات وسائل التواصل الاجتماعي لمونو مناصر، يبث هو وأعضاء عصابته بثًا مباشرًا حيث يهددون بعلنية بالأسلحة الحديثة، ويصدرون أصوات الصفارات التي تقلد سيارات الشرطة، ويطلقون النار على المركبات، ويعتدون بوحشية على الرجال الذين يمسكون بهم».
إن البيانات الدقيقة للعنف المتعلق بالبقر غير متاحة؛ لأن الدولة ترغب في إخفائها، لكنها خلقت خوفًا بين فئات كبيرة من المسلمين، في منطقة ميوات بالخصوص حيث يتعامل المسلمون في تجارة الألبان يواجهون وقتًا عصيبًا، بضعة حوادث مروعة فقط تثير الرعب في أعماقنا، مثلما حدث مع شامبولال ريغار الذي لم يقتل فحسب، بل صور بشاعة قتل أفروز في راجستهان، كما رأينا تكريم المتهمين في قتل كليم الدين أنصاري من قبل جيانت سينها، وزير الاتحاد في ذلك الوقت.
يصل التعصب ضد الإسلام إلى مستويات جديدة يوماً بعد يوم، هذا المناخ الترهيبي يؤدي إلى ارتفاع عملية عزل المسلمين في المدن، ويتم رفض سكن المسلمين في المناطق المختلطة في معظم الأماكن، ويرافق ذلك انخفاض في وضعهم التعليمي والاقتصادي.
مثال على ذلك، إلغاء منحة مولانا آزاد، حيث كانت الفائدة الرئيسة للطلاب المسلمين الذين يحاولون متابعة التعليم العالي، ويستمر الانحدار الاقتصادي للمجتمع المسلم في السنوات الأخيرة.
وتظل التهديدات بحرمان المسلمين من حقوقهم الانتخابية من خلال تنفيذ «NRC» و«CAA» موجودة بقوة، فقد أظهرت التجربة في ولاية آسام أن بين المليون وتسعمائة ألف شخص الذين لم يكونوا يمتلكون أوراقاً رسمية كانت الأغلبية من الهندوس، وبالنسبة للهندوس، فإن بند الأمان في «CAA» قائم، وبالنسبة للمسلمين، يتم إنشاء مراكز احتجاز، وباختصار يواجه المسلمون في هذه الانتخابات عدة تحديات، من بينها:
– التجاهل السياسي:
يواجه المسلمون في الهند تجاهلًا من قبل الأحزاب السياسية الرئيسة، قد تكون مشاركة المسلمين في العملية السياسية ضئيلة نتيجة لعدم توجيه اهتمام الأحزاب بمشاركة المسلمين في السياسة، فلم يتم انضمام أي حزب مسلم ذي أهمية إلى التحالف الذي تم تشكيله من قبل المعارضة، وعدم ترشيح المسلمين في مقاعد ذات أغلبية مسلمة، كما لم يتم ترشيح د. إيس تي حسن من منطقة أغلبية المسلمين مراد آباد في ولاية أوتارا براديش، وستكون السيدة روتشي فيرا هي المرشحة لهذا المقعد.
– التمييز الديني:
يتعرض المسلمون للتمييز الديني في بعض الأحيان، سواء من خلال التشريعات التمييزية أو من خلال التحريض ضدهم بسبب انتمائهم الديني، ففي منطقة رامفور لم يتم ترشيح أي شخص بسبب السلوك السيئ من قبل الشرطة والهيئة الانتخابية بالناخبين المسلمين.
فردّاً على رسالة من كبير قادة حزب سماجوادي، أعظم خان، الذي هو حاليًا في سجن سيتابور، قال رئيس الحزب لمنطقة رامبور، أجاي ساغار: إن الحزب سيقاطع الانتخابات العامة في رامبور.
وأشار إلى مناخ الترهيب والاتهامات المزيفة وعدم احترام النساء، وعدم تمكين الناس التصويت من قبل الشرطة والهيئة الانتخابية، والآن نحن ندفع الثمن نفسه، وزعيم حزب سماجوادي وأفراد عائلة أعظم خان وراء القضبان.
– التمثيل السياسي الضعيف:
يعاني المسلمون من قلة التمثيل في البرلمان والحكومة، مما يقلل من قدرتهم على التأثير في القرارات السياسية والمشاركة في صياغة السياسات، حتى الآن لم يحصل المسلمون من الأحزاب المعارضة، والحزب الحاكم على أي مقعد في بعض الولايات مثل ولاية راجستهان.
إن المسلمين على الرغم من تشكيلهم نسبة لا تقل عن 10% من حصة الأصوات وامتلاكهم لتأثير انتخابي كبير فيما لا يقل عن 10 مقاعد في مجلس الشعب، و100 مقعد في الجمعيات التشريعية، لم يجدوا أي تمثيل في الانتخابات المهمة هذه المرة.
رفع قادة الكونغرس من المسلمين اعتراضاتهم حتى في حين أن قادة حزب بهاراتيا جاناتا قالوا: إن التمثيل ليس العامل الوحيد، وفي منشور على موقع «إكس»، قال الوزير السابق في حكومة أشوك غيلوت وكبير قادة الكونغرس أمين خان: الأقلية المسلمة، التي وقفت دائمًا بقوة مع الكونغرس تشعر بالخيانة والتهميش، لقد تم تجاهلهم حتى في توزيع التذاكر للانتخابات البرلمانية.
وعلى الرغم من المشكلات، والصعوبات تتوفر فرص كبيرة أمام المسلمين للمشاركة في العملية الانتخابية وتحقيق التغيير، بعض هذه الفرص تشمل إيجاد التحالفات والتوعية السياسية والمشاركة النشطة.
– محاولة إيجاد التحالفات والتوعية السياسية:
يمكن للمسلمين تشكيل التحالفات مع الأحزاب السياسية الأخرى لتعزيز تمثيلهم والعمل على تحقيق مصالحهم السياسية والمشاركة النشطة في الانتخابات والمساهمة في الحوار السياسي، يمكن للمسلمين أن يؤثروا على السياسات والقرارات التي تؤثر على مصلحتهم ومصلحة المجتمع بشكل عام.
ويمكن للمسلمين الاستفادة من التوعية السياسية والتثقيف لتعزيز فهمهم للعملية السياسية وأهميتها، وبالتالي زيادة مشاركتهم وتأثيرهم في الساحة السياسية.
ونظراً إلى أهمية التحالفات، بادر حزب مجلس اتحاد المسلمين في أنحاء الهند (AIMIM) الذي يتزعمه أسد الدين أويسي إلى تشكيل الاتحاد السياسي باسم الاتحاد «The PDM» (Pichhda, Dalit and Musalman) (الطبقة الدنيا، والمنبوذون، والمسلمون) قد جاء هذا الاتحاد إلى حيز الوجود للعدالة ضد الحكومة.
والخلاصة أن الانتخابات البرلمانية في الهند تمثل تحديات وفرصًا للمسلمين، من خلال المشاركة النشطة وبناء التحالفات وزيادة التوعية السياسية، يمكن للمسلمين تحقيق تمثيل أفضل والمساهمة في بناء مستقبل أفضل للبلاد.