حروب الإعلام.. أسلحة «فتّاكة» في معارك المعلومات!

يمتاز عصرنا الحاضر بالعديد من المميّزات الغائبة عن الأجيال الماضية، وربّما من أهمّها وأبرزها سرعة وصول المعلومات -أيّ معلومات- للجمهور!

وكذلك القدرة الرسمية والشعبية على إبداء المواقف والآراء في القضايا المتعلّقة بالوطن والأمن والناس عبر خبر عاجل، أو تغريدة قصيرة لهذا المسؤول أو ذاك!

وهذا التطوّر الذي يَحمل العديد من الصور الإيجابية والسلبية فتح الباب على مصراعيّه، في مراحل الفتن والتناحر، لصراعات مُقزّزة بين المؤيّدين والمعارضين لهذا الموقف، أو ذاك!

وهذه الصراعات قد تكون سياسية، مؤيّدة للموقف الرسمي، أو معارضة له، وقد تكون فكرية وثقافية وإعلامية وغيرها!، بما يمثل حرب إعلامية كبيرة.

إعلام «عاجل»

وصرنا، اليوم، بمواجهة إعلام «عاجل» اقتحم البيوت والغرف الخاصّة عبر أجهزة الهواتف المحمولة (الموبايلات)، التي يحملها الكبار والصغار، والمسؤول وغير المسؤول، والوطني والعميل، والأغنياء والفقراء، والصادق والكاذب، والنقيّ والخبيث، والواضح والغامض، والمؤمن والكافر!

ومَن يُتابع الأحداث التي تشهدها منطقتنا يجد نفسه في دوامة قاتلة من الأخبار والأخبار المضادّة، ولا يدري المتلقّي من أين يَتَلقّف المعلومة، هل يحصل عليها من القنوات الرسمية التي تقلب الحقائق أحيانًا، أم من القنوات غير الرسمية والشعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تمتاز، غالبًا، بالتشويه وعدم الدّقّة!

شفافية مطلوبة

وبمواجهة هذه الفوضى يفترض بالإعلام الرسمي، في الظروف الطبيعية، أن يمتاز بالشفافية والوضوح والصراحة مع الجماهير لكسب ثقتهم، وقطع الطريق على الفريق المعادي، وهذا نادر جدًا إلا في بعض الدول التي تحترم نفسها وشعبها!

والذي يَهمّنا هنا هو الحديث عن الصراعات الإعلامية، وبالذات «السياسية الشعبية» منها عبر مواقع التواصل، التي يَتناحر فيها المثقّف مع الهمجيّ، والعالم مع الجاهل، والجادّ مع الهازل، والمناضل مع الخائن، وربّما، المسؤول مع المواطن!

ومَن يتابع الشؤون العربية في مشارق الأرض ومغاربها يجد حالات التناحر واضحة في القضايا السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والفنّية والرياضية وغيرها!

ويبرز هذا التناحر في القنوات الفضائية بشكل رسمي تبعًا للجهة المالكة للوسيلة الإعلامية، أو بشكل غير رسمي عبر الجيوش الإلكترونية، المدفوع لها، وعموم الناس من المثقّفين والمتابعين!

أخلاقيات الإعلام

وأخلاقيات الإعلام ليست موضوعًا جديدًا، بل هي من المواضيع التي كتب فيها قديمًا، ولو بمسمّيات أخرى، ولكنّها في المجمل يقصد بها تلك الضوابط التي تُلْزِم الناقل، والكاتب، الصحفي والإعلامي والمدوّن، بالصدق، أو على الأقلّ بالحياديّة، والبعد عن الكذب وتزوير الحقائق والتاريخ.

وهذه الأخلاقيات اليوم هي موضوع العصر، وذلك بسبب تنامي، مع الأسف، ظواهر الافتراء والكذب والتدليس والخداع، والكلام المنمّق المليء بالسموم والمؤامرات على الإنسان والأسرة والمجتمع والدول الآمنة العادلة!

والمدونوّن، ربّما، هُم من رجال السياسة والإعلام والقانون والتربية والشريعة والاقتصاد والبيئة وغيرها من الفروع العلمية والفكرية، ولكنّ الذي يجمع أغلب هؤلاء أنّهم يُدَونون آراءهم في المواضيع السياسية وكأنّهم وحدهم يملكون الحقّ، أو المعلومة، وهذه بوّابة واسعة للخلافات!

والنقاشات في المواقع الشعبية مرآة عاكسة لواقع الجمهور، ولهذا حينما تكون تلك الحوارات مليئة بالرقيّ الفكري، والنقل الدقيق، واحترام الرأي والرأي الآخر فهذه أدلّة باتّة على الثقافة والتقدّم والوعيّ، ولكن حينما تُبنى، تلك النقاشات، على النقل العشوائي للمعلومات والتخلّف الفكري، والطعن بالمخالفين فهذه أدلّة قطعية على الهمجية والتخلّف والهبوط الإنساني والعلمي!

الإنسان النبيل لديه جملة من الأخلاقيات والثوابت التي لا يَحيد عنها بسهولة، وهذه الأخلاقيات ضابطة لسلوكه العامّ، وتصرّفاته وأقواله وأفعاله.

لنعمل، كلّ من موقعه، على تهذيب الخطابات الشعبية، وهذا يكون، بداية، عبر تعزيز الخطاب الرسمي، الواضح والصريح، الذي يقطع الطريق على الأعداء، والمتصيّدين بالماء العكر، والساعين لنشر الفتنة بين الناس!

المصداقية والانفتاح من أكبر أدوات العمل الإعلامي المتين القادر على الانتصار في حروب الإعلام، والمؤهَل لمواجهة أسلحة الأعداء "الفتّاكة" في معارك المعلومات!

لنحمِ الإنسان والمجتمع والأوطان من الحاقدين والكارهين والساعين لنشر الكراهية والخراب والدمار الفكري والمعلوماتي، وهذا يكون بالتلاحم الإنساني العلمي المنضبط والقادر على هزيمة الأفكار المليئة بالأحقاد والأكاذيب!





_____________________

@dr_jasemj67


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة