هل تحمي تركيا سورية من الكيان الصهيوني؟

رفع الكيان
الصهيوني مؤخراً مستوى تهديداته لسورية، مستمراً في قصف مقرات عسكرية وأمنية
وموقعاً شهداء، ومصعداً احتلاله وتوغلاته في الجنوب السوري، فضلاً عن تهديداته
المستمرة بالتدخل العسكري المباشر لحماية الدروز في سورية من أي عدوان، على حدِّ
ادعائه.
الكيان
الصهيوني بعد «طوفان الأقصى»
يؤكد كل ذلك
ثلاثة أمور في غاية الأهمية؛ الأول: أن الكيان الصهيوني يتعامل مع سورية والمنطقة
عموماً بعد معركة «طوفان الأقصى» برؤية مختلفة تماماً عما قبلها، وترتكز بالأساس
على تحييد الأخطار المحتملة على المدى البعيد بغض النظر عن نواياها وقدراتها
الحالية، والثاني أن الكيان يأتي في مقدمة التهديدات الخارجية لسورية في العهد
الجديد، والثاني: أن رؤيته التي يسعى لتحقيقها بمختلف الوسائل بما فيها القوة
المباشرة هي سورية مقسمة وضعيفة.
في المقابل، ما
زالت مقدرات الدولة السورية في العهد الجديد ضعيفة جداً من الناحية العسكرية
والأمنية، وغير قادرة على مجابهة هذا الخطر والاعتداءات «الإسرائيلية»، لا سيما
بعد الاستهداف المستمر لمقدراتها من أسلحة ومخازن ومستودعات ومراكز بحثية؛
وبالتالي، فهي بحاجة لمساعدة أطراف خارجية لصد العدوان «الإسرائيلي» وثني العدو عن
مطامعه في أراضيها، خصوصاً أن المساعي السياسية والدبلوماسية أثبتت أنها غير كافية
لذلك.
تركيا
وتقديم يد العون
تأتي تركيا في
مقدمة الدول التي يمكن أن تقدم لسورية يد العون في هذا المجال، ليس فقط للقرب
الجغرافي والعلاقات الطيبة بين الجانبين بعد سقوط نظام الأسد، ولكن أيضاً لعاملين
إضافيين مهمين؛ الأول: أن هناك تناقضاً صارخاً في المصالح في سورية بين تركيا
ودولة الاحتلال، والثاني: أن الأخيرة باتت تنظر للأولى مؤخراً على أنها تهديد لها.
ففي منظومة
المصالح، تريد تركيا سورية موحدة وتدعم الاستقرار فيها وتنظر لقوات سورية
الديمقراطية (قسد) كتهديد بسبب علاقتها العضوية مع العمال الكردستاني، بينما تدعم
دولة الاحتلال تقسيم سورية لدويلات أو كانتونات عرقية وطائفية وتهدد استقرارها
ووحدة أراضيها، وتنظر لقسد (والأقليات الأخرى) كحلفاء طبيعيين وتتواصل مع قيادة
قسد لحمايتها من تركيا.
كيف تدعم تركيا وحدة أراضي سورية في المرحلة الجديدة؟
تركيا
ضمن المهددات الخارجية لـ«إسرائيل»
وفي مجال
التهديد، وضعت «إسرائيل» تركيا لأول مرة ضمن المهددات الخارجية لها عام 2021م، لكن
حرب الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال على غزة بعد عملية «طوفان الأقصى» زادت من
وتيرة الأمر، وزادت من حدته التطورات الأخيرة في سورية، لدرجة أن لجنة «ناجل»
المكلفة من حكومة نتنياهو أوصت بالاستعداد لمواجهة مباشرة مع تركيا خلال سنوات.
في المقابل،
باتت تركيا خلال الحرب تشعر أن «إسرائيل» تهددها مباشرة وليس فقط بتهديد الأمن
والاستقرار في المنطقة، وهو ما تعززه تصريحات أردوغان عن بعد قوات الاحتلال عن
الحدود التركية «مسافة تقطع بساعتين ونصف ساعة»، والجلسة المغلقة للبرلمان التركي
حول التهديدات «الإسرائيلية» وطريقة مواجهتها، وتصريحات وزير الدفاع بأن «إسرائيل»
يمكن أن تهاجم تركيا مباشرة.
يديعوت أحرونوت: تركيا أكثر خطورة على إسرائيل من إيران
تركيا
تحذر الاحتلال
وفيما يخص سورية
تحديداً، حذرت عدة تصريحات رسمية تركية «إسرائيل» من التمادي في تهديد سورية،
وتحدثت تقارير (لم يتسن التأكد منها، ولم تُنْفَ) عن تحليق مقاتلات تركية في
الأجواء السورية قريباً من دمشق خلال أو بعد قصف «إسرائيلي» في الأيام الماضية، في
المقابل، وفي خطوة لافتة، أنشأ جيش الاحتلال حساباً ناطقاً باسمه باللغة التركية
داعياً الرأي العام التركي لمتابعته كمصدر موثوق بخصوص التطورات الإقليمية.
يعني ما سبق أن
كلاً من تركيا ودولة الاحتلال في حالة تنافس شديد في سورية في المرحلة الحالية، بل
والمستقبل، وأن التنافس يمكن أن يتحول لصراع بأشكال متعددة، لكن هل يمكن أن يتحول
إلى صدام عسكري مباشر؟
في الحقيقة، لا
يريد الجانبان مواجهة عسكرية مباشرة بينهما، بسبب تبعات ذلك عليهما بالنظر للقدرات
العسكرية لكل منهما، كما أن الإدارة الأمريكية لن تريد مواجهة من هذا القبيل،
وستعمل كل ما في وسعها لتجنب ذلك عبر أدواتها العديدة الممكنة في هذا الإطار.
تفاوض
للتوصل لتفاهمات
ما يعني أن
السيناريو الأكثر احتمالاً في المرحلة الحالية هو سيناريو التفاوض والضغط للتوصل
لتفاهمات معينة في القضية السورية، ومحاولة سحب إدارة ترمب لمساحة الضغط على حكومة
نتنياهو بخصوص سورية، خصوصاً وأن تركيا اليوم بمثابة الدولة الحامية أو الراعية
للوضع الجديد في سورية.
لكن ذلك لا يعني
انتفاء أو إمكانية المواجهة بالكامل على المدى البعيد، إذ إن التطورات في سورية
والمنطقة عموماً في حالة سيولة وتسارع شديدين بشكل يجعل من المغامرة الجزم
بسيناريوهات محددة ونتائج بعينها واستبعاد أخرى.
الأكيد أن حالة
التناقض في المصالح بين تركيا و«إسرائيل» حالة حقيقية ومستدامة وستكون مؤثرة في
القرارات والتوجهات التي تبديها كل جهة تجاه الأخرى، والغالب أن التطورات في سورية
ستعزز هذا الأمر ولا تقلل منه.