احتلت تركيا مركزاً متقدماً لتأتي في صدارة الدول الأوروبية في الإنتاج والتصدير للمحاصيل الزراعية خلال عقدين من حكم حزب العدالة والتنمية الذي نهض بتركيا من أول يوم تولى فيه المسؤولية في عام 2002م، من خلال النهوض بالزراعة والأمن الغذائي الذي اعتبرته بمثابة أمن قومي للبلاد.. ملامح تلك التجربة يحكيها لنا خبراء متخصصون في ذلك الملف للتعرف على تفاصيل تلك التجربة ومراحل نهضة تركيا في المجال الزراعي.
بداية، يقول د. يوسف كاتب أوغلو، الخبير الاقتصادي الحاصل على دكتوراة في التجربة الاقتصادية التركية: إن حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان منذ فاز في الانتخابات بالأغلبية الساحقة في البرلمان وشكل الحكومة عام 2002م قام بالكثير من الإصلاحات خاصة في مجال الاكتفاء الذاتي الغذائي من خلال دعم القطاع الزراعي، وتسهيل إعطاء المنح الزراعية، وتشجيع المشروعات الزراعية والمزارعين؛ حتى صارت تركيا اليوم الدولة الأولى أوروبياً في مجال الزراعة والصادرات الزراعية، كما تحتل المركز الثامن عالمياً.
ويرى أوغلو أن هذا يدل على أن تركيا تنتهج سياسة الاعتماد الذاتي في أن تأكل مما تزرع، وتلبس مما تصنع، وتعتمد في ترسانتها الدفاعية على الصناعات المحلية، حيث كانت نسبة الإنتاج المحلي %20 عام 2002م، وأصبحت الآن %80 في صناعاتها المحلية الدفاعية، ولذا تركز تركيا في تجربتها على الصناعات الصغيرة والمتوسطة؛ فأنشأت منظمة تنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة (KOSGEB)، كما أنشأت اتحاد المزارعين، واتحاد الجمعيات الزراعية وتسهيل كل السبل لذلك؛ فضلاً عن الاستثمار في البنية التحتية خصوصاً في قنوات الري والسدود، حيث نفذت تركيا بناء أكبر سد في الشرق الأوسط وهو مشروع جنوب شرق تركيا للاستصلاح الزراعي، وهو مشروع تنموي اقتصادي يهدف إلى توسيع الرقعة الزراعية وتوليد الكهرباء عبر بناء 21 سداً بينها 7 سدود ضخمة جداً من أجل تشكيل وتكوين البنية التحتية اللازمة للزراعة في جنوب الأناضول.
أوغلو: تركيا تنتهج سياسة الاعتماد الذاتي في أن تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع وتعتمد دفاعياً على الصناعات المحلية
وأوضح د. أوغلو أن تركيا لديها اكتفاء ذاتي في محاصيل القمح والذرة؛ بل هي مصدرة قوية وتعتبر المصدر الأول في العالم للبندق والمكسرات، وتصدير الكثير من المنتجات الزراعية من الخضر والفواكه؛ بل تركيا الثانية عالمياُ والأولى أوروبياً في تصدير الورود الطبيعية، وتركز على دعم هذا القطاع الزراعي، وهناك محفزات يتم منحها لمن يعمل في مجال الزراعة من خلال الدعم الحكومي بالمنح والتسهيلات وتوفير البنية التحتية لما يلزم من مياه وعناية بيئية.
وأشار إلى أن لدى تركيا أيضاً بعض الخطط المستقبلية في مجال الأمن من خلال خطط منهجية وضعتها الحكومة بالتعاون مع حزب العدالة والتنمية، في أن تكون هناك مشاركات بين القطاع الخاص والعام والحكومي بإنشاء مصانع تعنى بكل ما يلزم من الصناعات الغذائية، وإعطاء إعفاءات ضريبية وسيولة ودعم حكومي حقيقي لترويج المنتجات المحلية بالمشاركة في المعارض المحلية والدولية.
والآن في ظل وجود أزمة الغذاء العالمية، بادرت الحكومة حالياً ومن أجل تخفيض ارتفاع الأسعار الجنوني والتضخم المرتفع ومواجهة استغلال سلاسل التوريد وسلاسل الأسواق الخاصة ذات الماركات العالمية مثل: «A101» و«BİM» و«ميجرووس» وغيرها، قامت الحكومة بمشروع رائد بتوسيع وزيادة عدد متاجر التجزئة التابعة لها لتوزيع وبيع كل ما يلزم المنتجات الغذائية بتخفيض يصل %40 عن غيرها، وبزيادة أفرعها من 1400 فرع إلى 3000 فرع، وفتح المجال أمام البقالات التي تريد الاستفادة من هذه المنظومة الحكومية.
وواصل أوغلو حديثه بنقطة أخيرة، وهي أن تركيا من الدول التي تعنى أيضاً بالصناعات الزراعية المحافظة على البيئة، بالتوسع فيما يسمى بالصناعات الغذائية البيئية الطبيعية البعيدة عن أي تلوث والمعتمدة على الزراعة العضوية، وهذا في حد ذاته له تأثير إيجابي كبير وتميز ومنافسة في السوق التركية.
من جهته، أكد د. عبدالتواب بركات، الخبير في شؤون الزراعة ومستشار وزير التموين في حكومة الرئيس المصري الراحل د. محمد مرسي، أن تركيا حققت قصة نجاح عظيمة في الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وأعطت الحكومة القمح اهتماماً خاصاً بسبب وضعه السياسي من أول يوم لها في الحكم عام 2002م، لتزداد استثمارات تركيا في قطاع تكنولوجيا بذور القمح عالية الإنتاج، حتى تضاعفت عام 2018م كمية البذور المحسنة 3 أضعاف عما كان عليه الوضع في عام 2001م، أي قبل أن يصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، وزاد إنتاج القمح من 15.5 مليون طن في عام 2001م، إلى 21 مليون طن في عام 2017م، ونجحت تركيا في زيادة متوسط غلة القمح من 1.98 طن لكل هكتار في عام 1996م، إلى 2.36 طن لكل هكتار في عام 2006م، وبلغ حوالي 3 أطنان في الهكتار اليوم.
بركات: أنشأت صناعة عالمية في طحن القمح لزيادة القيمة المضافة بزيادة فرص عمل الشباب
وأضاف د. بركات أن تركيا أنشأت صناعة عالمية في مجال طحن القمح لزيادة القيمة المضافة، بزيادة فرص عمل الشباب والاستفادة من نواتج الطحن في إنتاج الأعلاف المخصصة لإنتاج اللحوم حتى تربعت على قمة الدول المصدرة لدقيق القمح على مستوى العالم أجمع، وزادت صادراتها من الدقيق من 350 ألف طن في عام 2001 إلى 5 ملايين طن في عام 2018م.
وأكد الخبير في شؤون الزراعة أن قيمة الإنتاج الزراعي في تركيا بلغت 62 مليار دولار في عام 2013م لتصبح أكبر منتج زراعي في أوروبا، وتستهدف تركيا بحلول عام 2030م خريطة التنمية المستدامة التركية للقضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، وتحسين التغذية وبناء مخزون إستراتيجي من السلع، وتقليل الفاقد على امتداد سلسلة الإنتاج والتسويق والاستهلاك من أجل ضمان الأمن الغذائي كما أعلن ذلك الرئيس أردوغان.
وأشار إلى أن تصريحات الرئيس أردوغان توضح أن تركيا تحتل الصدارة في العالم بإنتاج البندق والكرز والمشمش والسفرجل، وأن بلاده تصدر 1690 منتجاً من منتجاتها الزراعية إلى 195 دولة حول العالم، كما أن تركيا تقوم بحماية مختلف أنواع البذور من خلال مشروع بنك البذور؛ حيث افتتحت ثالث أكبر بنك للبذور في العالم بالعاصمة أنقرة.
بينما أكد نائب رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك غزوان المصري، أنه نظراً لأهمية هذه القضية، فإن موضوع المؤتمر السنوي للجمعية هذا العام سيكون شعاره «الأمن الغذائي والمحافظة على النسل الغذائي في تركيا»، وسوف تكون كل الندوات والمحاضرات حول تحقيق هذا الشعار والمحافظة عليه، كما أن مخرجات المؤتمر سيتم وضعها في إطار إستراتيجي ليدفع بالدولة التركية نحو تحقيق هدفها المنشود بأن تحافظ على كونها الأولى أوروبياً وتسعى لأن تكون الخامسة عالمياً في إنتاج وتصدير المنتجات الزراعية خلال عام 2030م.