معالي وزير التربية السيد جلال الطبطبائي..
لقد تسلمتم حقيبة وزارة التربية في وقت يواجه فيه النظام التعليمي تحديات كبيرة تتطلب حلولاً جذرية وإجراءات حاسمة، من أبرز هذه التحديات ظاهرة الغش في الامتحانات، التي تفاقمت في السنوات الأخيرة لتصبح مشكلة تهدد بشكل مباشر مصداقية العملية التعليمية، وتضرب في جوهر القيم التربوية التي يُفترض أن تُغرس في نفوس الطلاب، لم يعد الغش مجرد تجاوز فردي يقوم به بعض الطلبة، بل أصبح ظاهرة تتغذى على ثغرات موجودة في النظام، تشمل ضعف الرقابة، وغياب المحاسبة الصارمة، وتواطؤ بعض الجهات المسؤولة.
الإجراء الذي تتبعه الوزارة حاليًا، والمتمثل في تدوير المديرين خلال فترة الامتحانات، أثبت محدوديته في التصدي لهذه الظاهرة، فبدلاً من معالجة المشكلة من جذورها، يتم الاكتفاء بإجراءات سطحية لا تحقق النتائج المرجوة، الحل الحقيقي يكمن في وضع نظام رقابي صارم يضمن متابعة دقيقة للامتحانات، ومعاقبة كل من يثبت تهاونه أو تواطؤه، سواء من المديرين أو الكوادر الإدارية.
إضافةً إلى ذلك، ينبغي إعادة النظر في معايير اختيار مديري المدارس، بحيث لا يكون معيار الأقدمية الحاسم الوحيد، يجب أن يُختار لهذا المنصب من يتمتع بالكفاءة العالية، والنزاهة، والأمانة، والقدرة على إدارة العملية التعليمية بحزم وشفافية، فعدد سنوات الخدمة وحده لا يكفي لضمان جودة الأداء؛ بل يجب أن يُرفق بسجل حافل بالإنجازات والإسهامات الفعّالة في تطوير البيئة التعليمية.
معالي وزير التربية السيد جلال الطبطبائي..
إحدى القضايا الملحة التي تواجه الوزارة حالياً أزمة الوظائف الإشرافية، التي ألقت بظلالها على استقرار الميدان التربوي وأثرت بشكل كبير على سير العمل داخل المدارس، حيث يعاني الميدان من وجود عدد كبير من الشواغر الإشرافية، التي تشمل المناصب القيادية والموجهين الفنيين ورؤساء الأقسام، هذا النقص أدى إلى تحميل الإدارات المدرسية أعباءً إضافية، حيث تجد بعض المدارس نفسها بدون التوجيه أو الإشراف اللازمين لضمان سير العملية التعليمية بكفاءة.
الأمر الأكثر خطورة هو أن هذه الشواغر لم تُملأ بالكفاءات المطلوبة، بل استغلت بعض الأطراف هذه الفراغات لتحقيق مصالح شخصية، فقد وصلت إلى مواقع اتخاذ القرار شخصيات تفتقر إلى الخبرة العملية الحقيقية في الميدان التربوي، هؤلاء لم يكن لديهم الدراية الكافية بتحديات المدارس أو فهم عميق لطبيعة المشكلات التي يواجهها المعلمون والطلاب يومياً، بدلاً من تقديم حلول فعالة، استغلوا مناصبهم لتكوين مراكز قوى، وتحكموا في القرارات الإدارية بشكل أدى إلى تضارب المصالح وتعطيل العديد من الإجراءات الحيوية.
هذا الوضع تسبب في كوارث تعليمية خلال العامين الماضيين، انعكست سلباً على جودة التعليم واستقرار البيئة المدرسية، فقد أصبحت القرارات الإدارية بعيدة عن احتياجات الميدان، وتم توجيهها لخدمة أجندات ضيقة؛ مما زاد من حدة التوتر بين الكوادر التعليمية والإدارات العليا.
لذلك، معالي الوزير، هناك حاجة ملحة لوضع آلية واضحة وعادلة لشغل الوظائف الإشرافية، بحيث تكون الكفاءة والخبرة العملية المعيارين الرئيسين، ينبغي إعادة تقييم جميع الكوادر الإشرافية الحالية، وضمان أن يتمتع من يشغل هذه المناصب برؤية تربوية واضحة، وخبرة ميدانية تمكنه من دعم المدارس بشكل فعال، والعمل على تطوير العملية التعليمية بما يخدم مصلحة الطلبة والكوادر التعليمية على حد سواء.
معالي وزير التربية السيد جلال الطبطبائي..
يمثل الهيكل التنظيمي للوزارة إحدى القضايا الجوهرية التي تتطلب معالجة جادة وسريعة، نظراً لتأثيره المباشر على كفاءة سير العمل في الميدان التربوي، الهيكل الحالي يعاني من غموض كبير في توزيع المهام والصلاحيات بين الإدارات المختلفة؛ ما يؤدي إلى تداخل الأدوار وخلق بيئة عمل غير مستقرة، هذا التداخل يجعل تنفيذ الخطط التعليمية أكثر تعقيداً، حيث يجد العاملون في الوزارة والميدان أنفسهم في حالة من الحيرة حول مسؤولياتهم الوظيفية، وهو ما ينعكس سلباً على جودة الأداء العام.
من أبرز الإشكاليات في هذا الصدد، الوضع الحالي للتواجيه الفنية داخل الهيكل التنظيمي، التواجيه الفنية تُعتبر أحد العناصر الأساسية في دعم وتطوير العملية التعليمية، فهي الجهة التي تقدم التوجيه والإشراف التربوي للمعلمين، وتعمل على رفع كفاءتهم وتحسين أدائهم، لكن، للأسف، يعاني الموجهون الفنيون من غموض في موقعهم ضمن الهيكل التنظيمي للوزارة، هل هم تابعون بشكل مباشر للإدارة المدرسية؟ أم أنهم جهة مستقلة تتبع الإدارات العليا في الوزارة؟
هذا الغموض يخلق حالة من تضارب الصلاحيات، ففي بعض الأحيان، يجد الموجه الفني نفسه في مواجهة مع مدير المدرسة، حيث قد يشعر المدير بأن الموجه يتدخل في اختصاصاته، بينما يرى الموجه أن من حقه توجيه المعلمين وتقديم ملاحظاته على سير العمل التعليمي، هذه التوترات تؤدي إلى إضعاف دور التوجيه الفني، الذي من المفترض أن يكون أداة تطويرية فعالة.
علاوةً على ذلك، يعاني التوجيه الفني من غياب خطط واضحة تحدد نطاق عملهم وآليات التنسيق مع الإدارات الأخرى، في ظل هذا الغياب، يصبح دورهم محدوداً، ولا يحقق الأثر المطلوب في تحسين جودة التعليم، هذه المشكلة لا تؤثر فقط على أداء الموجهين، بل تمتد لتؤثر على المعلمين والطلاب، حيث يُفترض أن يكون الموجه الفني عنصراً داعماً ومساعداً في خلق بيئة تعليمية محفزة ومثمرة.
لذلك، معالي الوزير، نوصي بضرورة إعادة النظر في الهيكل التنظيمي للوزارة، وتحديد موقع التواجيه الفنية بوضوح، يجب وضع آليات تنسيق فعالة بين الموجهين الفنيين والإدارات المدرسية، مع منح الموجهين الصلاحيات اللازمة للقيام بدورهم دون تعارض مع صلاحيات الإدارات الأخرى، كما يجب أن تكون هناك خطة واضحة تضمن تواصلاً مستمراً ومنظماً بين جميع الأطراف المعنية، بما يساهم في تحقيق أهداف الوزارة وتطوير العملية التعليمية بشكل شامل.
معالي الوزير..
إن التركة عظيمة، والتحديات التي تواجهها الوزارة كبيرة، لكن ثقتنا في قدرتكم على مواجهتها أكبر، نحن نؤمن أن بإرادتكم القوية ورؤيتكم الواضحة ستتمكنون من إجراء التغييرات الضرورية للنهوض بمستوى التعليم، الميدان التربوي يتطلع إلى قراراتكم الحازمة لإحداث تغيير إيجابي، يعزز من استقرار النظام التعليمي ويرتقي بمخرجاته، بما يساهم في بناء مستقبل أفضل لأبنائنا.