موقف النظام العربي والسلطة الفلسطينية اليوم من غزة ومن المقاومة ليس جديدا فغزة التي تقف اليوم وحدها في المعركة وقفت قبل ذلك وحدها بينما اصطف شقيقها في خندق العدو ! .
موقف النظام العربي والسلطة الفلسطينية اليوم من غزة ومن المقاومة ليس جديدا فغزة التي تقف اليوم وحدها في المعركة وقفت قبل ذلك وحدها بينما اصطف شقيقها في خندق العدو ! .
وللتذكرة فقط نتوقف قليلا أمام الموقف العربي وموقف السلطة الفلسطينية بقيادة السيد محمود عباس خلال حرب ” الرصاص المصبوب ” الصهيونية علي غزة عام 2009م .. يومها لم يكن موقف محمود عباس وغيره من العرب وسيطا – مثلما يحاول أن يبدو اليوم – ولكنه كان شريكا في الحرب شراكة أصيلة .. فبعد نهاية تلك الحرب وما اقترفه الصهاينة فيها من مجازر صدر التقرير الدولي الذي تم تكليف«ريتشارد جولدستون» بإعداده وهو التقرير الذي اتهم الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في غزة ، وكان بوسع السلطة الفلسطينية يومها التقدم بناء علي هذا التقرير الدولي بشكوي للمجلس الدولي لحقوق الإنسان لتبني تقرير جولدستون لكن محمود عباس رفض فانكشف موقفه الشريك للصهاينة في تلك الحرب (2009م ) .
ولو أن محمود عباس فعلها وتقدم بالشكوي للمجلس الدولي لحقوق الانسان لوجد «عباس» نفسه بعد دقائق في قفص الاتهام إلى جوار الثلاثي المجرم «إيهود أولمرت» رئيس الوزارء، و«تسيبي ليفني» وزيرة الخارجية السابقين، و«إيهود باراك» وزير الدفاع، فكل الدلائل التي تم الكشف عنها تباعاً أكدت أن سلطة محمود عباس شاركت الكيان الصهيوني في تلك الحرب القذرة، وهي بالمناسبة أول مرة في تاريخ الصراع العربي مع الصهاينة تثبت فيها مشاركة طرف فلسطيني أصيل (الممثل الرسمي للشعب!) في الحرب على الشعب الفلسطيني؛ لهذا، هرولت السلطة لسحب التقرير الذي تبناه «جولدستون» وهو بالمناسبة يهودي الديانة لكنه ذو ضمير فقد قدم أول إدانة رسمية للصهاينة في تاريخ القضية الفلسطينية، وتلك من الحوادث النادرة في تاريخ القضية!
المسألة ليست من وحي الخيال، وإنما كل الأمور انكشفت في ذلك الوقت وتحدث بها كبار الساسة الصهاينة والإعلام الصهيوني بلا وجل أو خجل، فقبل انعقاد المجلس الدولي لحقوق الانسان بعشرة أيام (الثلاثاء 22/ 9 / 2009م)، كشف وزير الخارجية الصهيوني «أفيجدور ليبرمان» أن السلطة برئاسة «عباس» طلبت من الحكومة «الإسرائيلية» مواصلة الحرب على قطاع غزة حتى يتم القضاء على حركة «حماس».
وقال «ليبرمان» في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمشاركة رئيس الوزراء «نتنياهو» في نيويورك عقب انتهاء اللقاء الثلاثي بين «أوباما ونتنياهو وعباس»: «نحن نتوقع من السلطة الفلسطينية أن تسحب الطلب الذي قدَّمته ضد «إسرائيل» إلى المحكمة الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد سكان قطاع غزة»، وقال في تلك التصريحات التي نشرها في اليوم التالي عددٌ من الصحف العبرية: إنه أبلغ الوفد الفلسطيني بهذا المطلب خلال اللقاء الثلاثي.
وأضاف: «قلتُ لأعضاء الوفد الذي يمثل السلطة الفلسطينية: إن السلطة الفلسطينية هي من مارست ضغوطاً على «إسرائيل» للذهاب حتى النهاية في الحرب على غزة في إطار عملية (الرصاص المصبوب)». ولم ينفِ أي مسؤول من السلطة لا «عباس» ولا غيره تلك الاتهامات الواضحة من وزير الخارجية، والتي نشرتها الصحافة الصهيونية على أوسع نطاق.
كما أن سلطة «عباس» لم «تنبس ببنت شفة» عندما كشفت وثيقة صهيونية رسمية في مايو الماضي – أُعدّت في مكتب وزارة الخارجية «الإسرائيلية» – عن دور السلطة الحقيقي خلال حرب غزة، مؤكدة وجود تنسيق أمني بين الاحتلال الصهيوني والسلطة وصل إلى حد المشاركة العسكرية.
وفي رسالة له إلى المستشار القضائي للحكومة الصهيونية، أوضح رئيس هيئة الأركان «جابي أشكنازي» أن مشاركة السلطة كانت أمنية بالدرجة الأولى، ثم محاربة ميدانية مشتركة بالدرجة الثانية خلال عملية «الرصاص المصبوب»، مؤكداً أن الجيش والسلطة عملا جنباً إلى جنب ضد فصائل المقاومة بغزة خلال الحرب.
أمام ذلك السيل من الحقائق المخزية، لا نبالغ إذا قلنا: إن سلطة «عباس» هي التي وقفت سداً منيعاً أمام قرار إدانة الكيان الصهيوني، ودعنا من حكاية «الضغط الأمريكي»، أو أسطوانة «إفساح المجال أمام مفاوضات السلام»،!!
ومن المفارقات الغريبة في تلك القضية، أن 33 دولة من أصل 47 عضواً بمجلس حقوق الإنسان كانت مستعدة للموافقة على التقرير، لكن مندوب السلطة في المجلس «خذل» هذه الدول. ومن المفارقات أيضاً، أن قرار السلطة بسحب طلبها قوبل باحتجاج 40 منظمة أوروبية في أنحاء القارة الأوروبية، وقد وصفت ذلك في بيان لها بأنه «ضربة في الصميم للجهود التي بذلتها اللجنة الدولية وللتحركات التي قامت بها مختلف منظمات حقوق الإنسان لفضح جرائم الاحتلال ضد الإنسانية».
وفي مقابل موقف تلك الدول وتلك المنظمات الداعمة لحق الشعب الفلسطيني التزم النظام العربي الصمت المريب، مثلما هو حادث مع الحرب الإجرامية التي يقودها نتنياهو وليبرمان اليوم علي غزة !
فعن أي موقف عربي تسأل وعن أي موقف لمحمود عباس وسلطته تبحث ؟! .. اليوم يبدو موقف النظام العربي والسلطة الفلسطينية وسيطا بين المقاومة والعدوان الصهيوني وغدا تتكشف الحقائق فما خفي كان أعظم .
إنها مواقف «عار»، لكن تقابلها مواقف ولحظات «انتصار» يسطرها الذين باعوا أنفسهم لله ويمضون في طريق الجهاد والاستشهاد. ويبدو أننا يمكن أن نكتب تحت هذا العنوان (العار.. والانتصار) في الأيام الطويلة المقبلة العديد من التحليلات، فقد أصبحنا واقعين في أتون الصراع بين «العار» وأهله من الذين غرقوا في وحل الاستسلام والانهزام واستمرؤوا الركوع تحت أقدام شر خلق الله من بني صهيون.. بينما تحلّق تباشير «الانتصار» بين الحين والآخر تبدد كوابيس الإحباط التي باتت غاراتها لا تتوقف في هذا الزمن.
نحن أمام مشروعين: مشروع «جهاد» حتى النصر أوالشهادة، ومشروع «انبطاح وخزي وتسليم».
ونحن أمام تيارين: تيار عرف طريقه جيداً لتحرير فلسطين، وتيار عقد صفقته الخاسرة لبيع فلسطين.. ولذلك، سنظل نتابع بين الحين والآخر مواقف «عار»، ونعيش في نفس الوقت لحظات «انتصار»، والبقاء للأصوب {فّأّمَّا الزبد فّيّذًهّبٍ جٍفّاءْ و ّأّمَّا مّا يّنفّعٍ النَّاسّ فّيّمًكٍثٍ فٌي الأّرًضٌ}(الرعد:17).