نعيش خمس أزمات كبرى والمخرج منها التركيز على الفكر والقيادة
الإسلام الحركي تشكل من خلال جماعات وحركات إسلامية مخلصة استطاعت كسب قلوب وعقول الناس وصارت جزءاً من الشعوب ولا يمكن استئصالها
نعيش نهاية مرحلة «الملك الجبري».. فالناس مالت للحرية والديمقراطية وبدأت تمارسها ولن تتركها
ننتظر من السودان أن يقدم نموذجاً للدولة الإسلامية لالتزامه بالقيم والأخلاق
المفكر والمدرب العالمي د. طارق السويدان، لخص مشكلات الأمة العربية في خمس أزمات، أبرزها الفكر والقيادة، توقع أن تقود الحركات الإسلامية المخلصة دفة القيادة خلال السنوات القليلة القادمة، ولكنه اعتبر أن ما يدور في مصر بعد الانقلاب العسكري أدى إلى انقسام حاد في الشعب المصري، وينتظر من السودان أن يمارس دوراً محورياً في القيادة الإسلامية في الفترة المقبلة.
خلال زيارته القصيرة إلى السودان، التقت به «المجتمع» في تصريحات قصيرة، لكن مضمونها يحمل عناوين كثيرة يرسم الواقع الذي تعيشه الأمة العربية ومستقبل الحكم العسكري في مصر وما توؤل إليه الأوضاع بعد انتخاب «عبدالفتاح السيسي» رئيساً لمصر.
* بداية نريد أن تحدثنا عن الأزمة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، وكيف تنظر لذلك؟
– الأمة حالياً تمر بحالة مخاض، ونحن نمر بعصور من التخلف استمرت لأكثر من أربعمائة عام، وختمت بفترة استعمار، ومازال هذا الاستعمار يمارس دوره في إدارة الأمة من خلال كثير من الحكام الذين هم ألعوبة بيد هؤلاء، لكن الثورات العربية قامت لتقول: إن الشعوب بدأت تعي، وإن الشباب بدأ ينتفض، نعم هنالك انتكاسات وخاصة في مصر، لكن هذه في ظنّي لن تدوم لأن الذي ذاق الحرية يصعب عليه أن يعود لغيرها، وإياكم أن تظنوا أن الأمر انتهي.
سئل الإمام أحمد يرحمه الله: أينتصر الباطل على الحق، فقال: لا، إنما ينتصر الباطل على الحق عندما تميل القلوب إلى الباطل، فاليوم القلوب الشبابية بالذات لا تميل إلى الباطل، بل تنتظر اللحظة التي تتخلص فيها منه، في ظني أنها أعوام قليلة أقل بكثير مما يتخيل الناس، وستعود الدفة مرة أخرى بيد الذين أخلصوا لهذه الأمة، والذين التزموا بقيمها ودينها، فلا تفقدوا الأمل وتقولوا: إنها نهاية المطاف، الصراع بين الحق والباطل، والله سبحانه وتعالى يقذف بالحق على الباطل فيزهقه إن شاء الله.
عودة الأمة
* هل تعتقد أن الحضارة الإسلامية ستعود مرة أخرى بعد أن هيمنت الحضارة الغربية على واقع الأمة؟
– يقول الرسول “صلى الله عليه وسلم” فيما يرويه الإمام أحمد: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملك عاض فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه إذا شاء الله أن يرفعه، ثم يكون ملك جبري فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».
ونحن موعودون بها، وقد مررنا بكل هذه المراحل ونحن نعيش حالياً نهاية هذا الملك الجبري الذي يقوم بالجبر والقوة وإخضاع الناس.. فالناس مالت للحرية والديمقراطية وبدأت تمارسها ولن تتركها، وفي ظنّي أن هذه هي الأجواء التي ينتصر فيها الإسلام.. فالإسلام ينتصر في أجواء الحرية.
خمس أزمات
* لقد أشرت في حديث سابق لك أن الأمة تعيش وتواجه أزمات فكرية وسلوكية وتخلف.. برأيك كيف الخروج منها؟
– من خلال التأمل العميق في مشكلات الأمة، وجدت أنها خمس أزمات رئيسة تعصف بهذه الأمة عصفاً، الأزمة الأولي هي أزمة السلوك، فالسلوك الإيماني ضعيف والسلوك الأخلاقي ضعيف، وكذلك السلوك الاجتماعي ضعيف، والسلوك الأبوي في البيت ضعيف، وكذلك في المرور والتدخين والنظافة والالتزام بالوقت وغيره الكثير.
والأزمة الثانية هي أزمة التخلف، نحن نستعمل العلوم المتخلفة، ومناهج التعليم متخلفة، وطرق الإدارة متخلفة، والأزمة الثالثة هي أزمة الفاعلية أي الإنتاجية، فإنتاجية الفرد ضعيفة، وكذلك المنظمات والشركات، وكذلك الدولة، ولكن هنالك استثناءات في كل هذه الأحوال، لكننا نتحدث عن العموم في الأزمة وليس في أشخاص أو منظمات أو حتى بلد.
هذه الأزمات الثلاث رغم حجمها الكبير فإن حلها في حل الأزمتين الكبريين وهما أزمة الفكر أولاً، فالفكر إذا صار وسطياً معتدلاً حضارياً نهضوياً يعرف ما يدور في الدنيا، يدخل التنافس العالمي ستتغير الأمور، والأمر الثاني حتى بوجود الفكر لا يكفي إلا بوجود القيادة التي تنفذ هذا الفكر وتحرك الأمة نحو هذا الفكر.
وهذه كلها علامات الأزمات، أعتقد أن المخرج هو التركيز على الفكر والقيادة، فمثلاً دولة ماليزيا كانت دولة متخلفة جاءها القائد مهاتير (محاضر) محمد، يحمل فكراً، وفي عشر سنوات فقط تحولت من دولة متخلفة إلى عاشر دولة في الصناعة في العالم، فالتغيير سهل إذا وجد الفكر والقيادة.
* هل تعتقد أن وصف الإخوان في مصر بالإرهابيين والحد من نشاطهم سيؤدي لاستقرار مصر؟
– مصر حالياً تعيش في انقسام ليس انقساماً سياسياً وإنما انقسام شعبي، البيت الواحد منقسم، وهذا أمر يصعب علاجه، فعندما تكون الأزمة سياسية يتفق السياسيون ولكن عندما يختلف الشعب فالمسألة محتاجة لتغيير جذري.
أظن حالياً أن الجولة ستكون للباطل، والعسكريون سيرسمون خارطة الطريق التي وضعوها، وتم انتخاب «السيسي» باكتساح، وسيحاول بعد ذلك أن يرضي الناس من خلال منع الإعدامات وإطلاق بعض المعتقلين لعله يكسب المزيد من الشعبية، ولكن الناس تعرف في النهاية أنه الدموي، وأنه هو الذي قام بهذا الانقلاب، أعتقد أنه خلال أربع أو خمس سنوات سيرفض الناس هذا الانقلاب لما سيرونه من وباله الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والشعبي والإعلامي وفي كل مجال.. وقد بدأت هذه الأمور.
وخلال هذه السنوات سيرى الناس أن كل المعونات التي تذهب إلى مصر تتم سرقتها؛ وبالتالي فإن الشعب سيعيش في أزمات اقتصادية تجعله في ظنّي يثور من جديد أو يغير تغييراً جذرياً من خلال انتخابات حرة.
فالباطل له هذه الجولة، ولكن المعركة هي للحرية ولن ينتصر الباطل.
الإسلام الحركي
* كيف تنظر لمستقبل الحركات الإسلامية في العالم؟ وهل فشلت في إدارة الحكم؟
– اليوم الإسلام الحركي بفضل الله تشكل من خلال جماعات وحركات إسلامية مخلصة، وهذه الحركات استطاعت أن تكسب قلوب الناس وعقولهم، وصارت أعدادها بمئات الآلاف إن لم تكن ملايين، فلا يمكن استئصالها، وصارت جزءاً من الشعب وجزءاً من منظومة الفكر.
إذن المستقبل هو للإسلام الواعي، الإسلام الحركي الدعوي، الإسلام النهضوي وليس طبعاً الإسلام الذي يعتزل الدنيا أو يحرّم كل شيء، الإسلام لسماحته وبجماله هو الذي ينتصر.
ومرة أخرى لا يقلقني انتصار الباطل في هذه الجولة، وإنما أنظر إلى الصورة الكاملة، والله سبحانه وتعالى معنا.
ولا أستطيع أن أقول: إنهم فشلوا في حكم البلاد، لأنهم لم يحكموا البلاد، وتجارب الإخوان التي حكموا فيها محدودة جداً، وفي كثير من الأحيان ليست بإرادة الإخوان، تحيطها ظروف معينة، والتجربة الوحيدة التي يمكن أن نقول: إنها تجربة إخوان لم تستمر سنة واحدة، فتجربة حكم ضخمة مثل تجربة حكم مصر، بكل المعاناة والمقاومة الداخلية والخارجية، لا نستطيع أن نسميها فشلاً، وإنما نستطيع أن نقول: إنهم لم يأخذوا الفرصة، ولم يكملوا التجربة.
نموذج إسلامي
* كيف وجدت السودان بعد فترة غياب امتدت عشرات السنين؟
– السودان بلد مجاهد ظل في الجهاد فترة طويلة جداً، كما أن السودان بلد تحت الحصار لفترة طويلة، هذا الأمر يجعلني أعتز بالسودان؛ لأنه أصّر على اتخاذ الموقف المبدئي المنطلق من القيم والمبادئ، هذا الموقف هو الذي تسبب في الضغط الشديد عليه وهو واضح في الآثار الاقتصادية والتنموية، لكني دائماً أقول: إن الالتزام بالمبادئ والقيم أهم بكثير من أي شيء، فما قيمة أن أمشي في بلد كله عمارات والبلد خاضع للإرادة الغربية؟ وما قيمة أن أعبر فوق جسر عظيم وجميل ولكنني فاقد للكرامة؟ فهذا الذي رأيته في السودان أنت في جهاد لم ينتهِ.
ننتظر من السودان أن يقدم نموذجاً للدولة الإسلامية لالتزامها بالقيم والأخلاق والمبادئ والعقيدة، وأيضاً نموذجاً في الحضارة التي سادت البشرية، فكثير من البلدان التي زرتها ولكن قليلاً جداً من البلدان التي وجدت فيها الوعي بما يجري في الداخل والخارج، هذه الهوية تدل على أن هناك إمكانية كبيرة لاستثمار هذه الطاقات البشرية من أجل عطاء متجدد وبارز ننتظره من السودان.